هل الزواج مكتوب في اللوح المحفوظ

كتبت بواسطة هناء
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 10:17 صباحًا

هل الزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟ جدلية القدر والاختيار

لطالما شغل الزواج، هذا الرباط المقدس الذي يجمع بين روحين وعائلتين، عقول البشر عبر التاريخ. وفي خضم التأملات حول أسراره ودوافعه، يبرز سؤال عميق ذو شقين: هل هو قدرٌ محتومٌ كُتب قبل أن نولد، أم نتيجةٌ لاختياراتنا وقراراتنا في هذه الحياة؟ هذا السؤال، الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان، يلامس جوهر الفلسفة والدين، ويترك أثراً عميقاً في فهمنا لمعنى الارتباط الإنساني.

المنظور الديني: القدر والإرادة الإلهية

في العديد من المعتقدات الدينية، وخاصة في الإسلام، يُنظر إلى الزواج على أنه أمرٌ مدبرٌ ومكتوبٌ في اللوح المحفوظ. يُعتقد أن الله سبحانه وتعالى، بعلمه الأزلي، قد قدر أقدار العباد، بما في ذلك من سيتزوجون ومن سيكونون أزواجهم. هذا الاعتقاد يمنح شعوراً بالسكينة والطمأنينة للكثيرين، فهو يعني أن هناك حكمة إلهية وراء كل زواج، وأن ما يحدث هو خيرٌ مقدرٌ وإن لم يبدُ كذلك في ظاهره.

مفهوم “الكتب” في اللوح المحفوظ

يشير مفهوم “اللوح المحفوظ” إلى سجلٍ إلهيٍ شاملٍ ودقيقٍ لكل ما كان وما سيكون. يُعتقد أن كل ما يقع في هذا الكون، من أصغر ذرة إلى أكبر مجرة، ومن أصغر حدث إلى أعظم تحول، مسجلٌ فيه. وبناءً على ذلك، فإن اختيار الشريك، وتوقيت الزواج، وحتى مسار العلاقة الزوجية، قد يكون جزءاً من هذا التدوين الأزلي. هذا لا يلغي دور الإنسان، بل يضعه في سياق أوسع من التدبير الإلهي.

التوفيق الإلهي ودور الدعاء

لا يعني الإيمان بالقدر المكتوب أن الإنسان مجرد دمية تحركها قوى خارجية. بل على العكس، يؤكد الدين على أهمية الأخذ بالأسباب والسعي. فالإنسان مأمورٌ بالسعي وراء شريك الحياة المناسب، بالبحث، بالتعرف، وبالدعاء. والدعاء، في هذا السياق، هو شكل من أشكال التفاعل مع القدر، حيث يطلب العبد من خالقه أن ييسر له الخير وأن يجنبه الشر، وأن يوفقه في اختيار شريك الحياة. فعندما يدعو الإنسان ربه أن يرزقه الزوجة الصالحة أو الزوج الصالح، فهو بذلك يطلب من الله أن يسهل له طريق ما قدر له، أو أن يبدل له ما قد يكون مكتوباً له بما هو خير.

المنظور الفلسفي والاجتماعي: الاختيار والمسؤولية

على النقيض من الاعتقاد الجازم بالقدر، يركز المنظور الفلسفي والاجتماعي على دور الاختيار والإرادة الحرة للإنسان. يرى هذا المنظور أن الزواج هو قرارٌ واعيٌ ومسؤولٌ يتخذه شخصان بناءً على مشاعرهما، قناعاتهما، وتطلعاتهما المشتركة. يتم اختيار الشريك بناءً على عوامل متعددة مثل التوافق الفكري، العاطفي، الاجتماعي، والقيم المشتركة.

أهمية الاختيار الواعي

في هذا الإطار، يصبح اختيار الشريك عملية تتطلب تفكيراً عميقاً، وتقييماً دقيقاً، وإدراكاً للمسؤوليات المترتبة على الزواج. لا يقتصر الأمر على المشاعر اللحظية، بل يتعداها إلى بناء مستقبل مشترك قائم على التفاهم والاحترام. هذا المنظور يدفع الأفراد إلى تحمل مسؤولية قراراتهم، والسعي لبناء علاقة زوجية ناجحة ومستقرة من خلال الجهد المستمر والتواصل الفعال.

تداخل القدر والاختيار

لكن هل يمكن فصل القدر عن الاختيار تماماً؟ ربما يكون الأمر أكثر تعقيداً، ويتضمن تداخلاً بين العنصرين. قد يكون القدر قد هيأ الظروف والأسباب التي تؤدي إلى لقاء شخصين، أو قد يكون قد وضع في قلب أحدهما ميلاً نحو الآخر، لكن القرار النهائي بالارتباط يظل بيد الإنسان. بمعنى آخر، قد يكون القدر قد وضع “الفرصة” أو “الاحتمالية”، لكن الاختيار هو الذي يحول هذه الاحتمالية إلى واقع.

الزواج كمزيج من القدر والاجتهاد

في النهاية، يمكن القول إن الزواج، من منظور شامل، هو مزيجٌ فريدٌ من القدر والاجتهاد. قد تكون هناك عوامل خارجية، وقوى تتجاوز فهمنا، تلعب دوراً في مسار حياتنا، بما في ذلك لقاء الشريك المناسب. ولكن في الوقت ذاته، فإن قراراتنا، سعينا، اختياراتنا، وجهودنا في بناء العلاقة، هي التي تشكل جوهر الزواج وتحدد مساره.

التعامل مع التحديات: الإيمان بالتدبير الإلهي والعمل على العلاقة

عندما تواجه العلاقات الزوجية تحديات، فإن الإيمان بأن ما حدث هو جزء من تدبير إلهي قد يوفر راحة نفسية. لكن هذا لا يعني الاستسلام أو التقاعس. بل على العكس، يجب أن يدفع هذا الإيمان إلى مزيد من العمل على العلاقة، من خلال التواصل، التفهم، التسامح، والسعي لحل المشكلات. فالقدر قد يكون قد جمع بين الزوجين، لكن استمرار نجاح العلاقة يعتمد على جهدهما المشترك.

الخلاصة: توازن بين التسليم والعمل

إن فهم العلاقة بين القدر والاختيار في سياق الزواج يتطلب توازناً دقيقاً. يجب على المرء أن يسلم بما قضاه الله، وأن يثق بحكمته، وفي نفس الوقت، أن يبذل قصارى جهده في اتخاذ القرارات الصحيحة، والسعي لبناء علاقة زوجية قوية ومستقرة. الزواج ليس مجرد سطر مكتوب في كتاب، بل هو رحلة مستمرة من العطاء، التفاهم، والعمل المشترك، تحت مظلة السماء ورضى الخالق.

اترك التعليق