ما هي دول شنغن ولماذا سميت بهذا الاسم

كتبت بواسطة نجلاء
نشرت بتاريخ : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 10:15 مساءً

ما هي دول شنغن؟ رحلة عبر منطقة حرية الحركة وأصل تسميتها

تُعد منطقة شنغن إحدى أبرز الإنجازات على صعيد التكامل الأوروبي، فهي تمثل مساحة جغرافية واسعة تسمح لمواطني الدول الأعضاء والزوار من خارجها بالتنقل بحرية عبر الحدود المشتركة دون الحاجة إلى إجراءات رقابة حدودية تقليدية. هذه الحرية في الحركة ليست مجرد رفاهية، بل هي حجر الزاوية في مفهوم السوق الموحدة وتعزيز الروابط الثقافية والاقتصادية بين الدول الأعضاء. لكن، ما هي بالضبط دول شنغن، ومن أين جاءت هذه التسمية التي أصبحت مرادفًا للسفر السهل عبر القارة العجوز؟

نشأة اتفاقية شنغن: من الحلم إلى الواقع

لم تكن منطقة شنغن وليدة لحظة، بل هي نتاج سنوات من المفاوضات والتطلعات نحو بناء أوروبا أكثر تلاحمًا. بدأت الفكرة تتشكل في أذهان صانعي القرار الأوروبيين في أواخر القرن العشرين، مدفوعة برغبة قوية في تسهيل حركة الأفراد والبضائع، وتقليل الحواجز البيروقراطية التي كانت تعيق التجارة والسياحة.

أصل التسمية: قرية شنغن الصغيرة والاتفاق التاريخي

يعود اسم “شنغن” إلى قرية صغيرة تقع في أقصى جنوب شرق لوكسمبورغ، على الحدود الثلاثية بين لوكسمبورغ وألمانيا وفرنسا. في 14 يونيو 1985، وقعت خمس دول أوروبية – فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، هولندا، ولوكسمبورغ – على اتفاقية في هذه القرية الهادئة. لم يكن اختيار القرية محض صدفة، بل كان رمزياً لقربها من الحدود المشتركة للدول الموقعة، مما يجسد روح التعاون والتكامل.

بنود الاتفاقية الأولى: إزالة الحدود الداخلية

كانت اتفاقية شنغن الأصلية تركز بشكل أساسي على إلغاء نقاط التفتيش على الحدود البرية والبحرية بين الدول الموقعة. لم يقتصر الأمر على تسهيل حركة الأفراد، بل شمل أيضًا توحيد إجراءات الرقابة على الحدود الخارجية للمنطقة. هدفت هذه الخطوة إلى إنشاء مساحة آمنة ومشتركة، حيث يمكن للمسافرين عبور الحدود الداخلية دون المرور بإجراءات جوازات السفر والهجرة المعتادة.

توسع منطقة شنغن: من خمس دول إلى غالبية أوروبا

مع مرور الوقت، أثبتت اتفاقية شنغن نجاحها، وشهدت المنطقة توسعًا مطردًا بانضمام دول أوروبية أخرى. لم يقتصر الانضمام على دول الاتحاد الأوروبي، بل امتد ليشمل دولًا غير أعضاء في الاتحاد، مما يعكس الطابع الشامل للمنطقة. اليوم، تضم منطقة شنغن 27 دولة، تغطي معظم دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى دول مثل أيسلندا والنرويج وسويسرا وليختنشتاين، والتي ليست أعضاء في الاتحاد الأوروبي ولكنها جزء من منطقة شنغن.

دول الاتحاد الأوروبي التي لم تنضم بعد

على الرغم من الاتجاه نحو التكامل، لا تزال هناك بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم تنضم بالكامل إلى منطقة شنغن. تشمل هذه الدول بلغاريا ورومانيا، واللتين انضمتا جزئياً في مارس 2024، بالإضافة إلى قبرص. أيرلندا لديها وضع خاص، حيث تحتفظ بحدودها مع المملكة المتحدة (التي انسحبت من الاتحاد الأوروبي) وتطبق سياسة تأشيرات مستقلة، لكنها تشارك في بعض جوانب التعاون الشرطي والأمني مع منطقة شنغن.

فوائد منطقة شنغن: حرية الحركة والتكامل الاقتصادي

تتمتع منطقة شنغن بفوائد جمة تعود بالنفع على مواطني الدول الأعضاء والزوار على حد سواء:

* **حرية التنقل:** يمكن لحاملي تأشيرة شنغن السفر بحرية عبر جميع الدول الأعضاء دون الحاجة إلى تأشيرات متعددة، مما يسهل السياحة والزيارات العائلية والأعمال.
* **التنمية الاقتصادية:** تسهيل حركة البضائع والأفراد يعزز التجارة والاستثمار والسياحة، مما يدفع عجلة النمو الاقتصادي في المنطقة.
* **التعاون الأمني:** تتيح الاتفاقية تبادل المعلومات بين أجهزة الشرطة والهجرة في الدول الأعضاء، مما يعزز الأمن ومكافحة الجريمة والإرهاب عبر الحدود.
* **الهوية الأوروبية المشتركة:** تساهم منطقة شنغن في تعزيز الشعور بالهوية الأوروبية المشتركة، وتقريب الشعوب والثقافات.

تحديات منطقة شنغن: إدارة الحدود الخارجية والتدفقات الهجرة

على الرغم من النجاح الكبير، تواجه منطقة شنغن تحديات مستمرة، أبرزها إدارة الحدود الخارجية المشتركة والتعامل مع التدفقات الهجرة غير النظامية. يتطلب الحفاظ على أمن المنطقة وتدفق حركة المسافرين توازنًا دقيقًا بين الحرية والأمن، وهو ما يشكل محور نقاش دائم بين الدول الأعضاء.

كيف تعمل منطقة شنغن؟ نظام موحد للتأشيرات والرقابة

يعتمد نظام شنغن على مجموعة من القواعد والإجراءات الموحدة التي تنظم دخول وخروج الأفراد من المنطقة. أبرز هذه المكونات:

تأشيرة شنغن الموحدة

تسمح تأشيرة شنغن لحامليها بالإقامة في أي من الدول الأعضاء لمدة تصل إلى 90 يومًا خلال فترة 180 يومًا. تصدر هذه التأشيرة من قبل إحدى الدول الأعضاء، ولكنها صالحة للسفر عبر جميع الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية.

نظام المعلومات شنغن (SIS)

يُعد نظام المعلومات شنغن (SIS) أداة حاسمة في تعزيز الأمن والتعاون بين الدول الأعضاء. إنه قاعدة بيانات مركزية تحتوي على معلومات عن الأشخاص والممتلكات المطلوبة أو المفقودة، مما يساعد الشرطة والسلطات الحدودية على تحديد الأفراد الذين يشكلون خطرًا أو الذين تم البحث عنهم.

الرقابة على الحدود الخارجية

بينما تم إلغاء الرقابة على الحدود الداخلية، تشديد الرقابة على الحدود الخارجية لمنطقة شنغن أمر أساسي. يتم ذلك من خلال إجراءات موحدة للفحص والتفتيش في المطارات والموانئ والمعابر الحدودية البرية.

خاتمة

تظل منطقة شنغن نموذجًا فريدًا للتكامل الأوروبي، حيث أثبتت أن إزالة الحواجز الجغرافية والبيروقراطية يمكن أن يؤدي إلى فوائد اقتصادية واجتماعية وثقافية هائلة. من قرية شنغن المتواضعة، انطلقت رؤية تحررت منها القارة الأوروبية، لتمهد الطريق لمستقبل أكثر انفتاحًا وتعاونًا.

الأكثر بحث حول "ما هي دول شنغن ولماذا سميت بهذا الاسم"

اترك التعليق