ليلة الإسراء والمعراج بالتفصيل

كتبت بواسطة ياسر
نشرت بتاريخ : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 3:26 صباحًا

ليلة الإسراء والمعراج: رحلة سماوية عظيمة في تاريخ الإسلام

تُعد ليلة الإسراء والمعراج من أقدس الليالي وأكثرها تميزًا في التاريخ الإسلامي، فهي رحلة ربانية خارقة للعادة، منحها الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لتعظيمه وتكريمه، ولإطلاعه على آيات من ملكوته العظيم، ولتثبيته في مهمته الرسالية الشاقة. هذه الليلة المباركة ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي محطة إيمانية عميقة، تحمل دروسًا وعبرًا لا تنتهي، وتُجسد قدرة الله المطلقة على كل شيء.

الإسراء: الانطلاق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى

بدأت الرحلة العظيمة في مكة المكرمة، في قلب المسجد الحرام، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا أو مستيقظًا في حجر إسماعيل. تشير الروايات إلى أن جبريل عليه السلام أتاه، فشق صدره وغسل قلبه بماء زمزم، ثم أحضر له دابة بيضاء تُعرف بالبراق، وهي أسرع من البرق. امتطى النبي صلى الله عليه وسلم البراق، وانطلق به في لمح البصر من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في القدس.

لم تكن هذه الرحلة مجرد انتقال مادي، بل كانت معجزة إلهية تُظهر قدرة الله على تجاوز قوانين الطبيعة. وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، وهناك التقى بالأنبياء والمرسلين من قبله، فصلى بهم إمامًا. هذا اللقاء الروحي العميق أكد على وحدة الرسالة السماوية، وأن جميع الأنبياء جاؤوا بدين واحد هو الإسلام، ودعوا إلى عبادة الله وحده.

المعراج: الصعود إلى السماوات العلى

بعد إمامته للأنبياء في المسجد الأقصى، بدأت المرحلة الثانية من الرحلة، وهي المعراج، حيث صعد النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا. اصطحبه جبريل عليه السلام في صعوده، فمر بسبع سماوات، وفي كل سماء يلتقي بنبي من الأنبياء، فيبشرونه ويرحبون به.

لقاء الأنبياء في السماوات

في السماء الأولى، التقى بآدم عليه السلام، وفي الثانية بـ يحيى وعيسى عليهما السلام، وفي الثالثة بـ يوسف عليه السلام، وفي الرابعة بـ إدريس عليه السلام، وفي الخامسة بـ هارون عليه السلام، وفي السادسة بـ موسى عليه السلام، وفي السابعة بـ إبراهيم عليه السلام، خليل الرحمن، متكئًا على البيت المعمور. هذه اللقاءات لم تكن عادية، بل كانت بمثابة استعراض لرسل الله عبر العصور، وتأكيد على مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.

الوصول إلى سدرة المنتهى وما بعدها

بلغ النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته السماوية إلى مكان لم يصل إليه بشر من قبل، وهو سدرة المنتهى، وهي شجرة عظيمة في أقصى حدود السماء السابعة، يغشاها نور عظيم من الله تعالى. عند سدرة المنتهى، رأى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

فرض الصلوات الخمس

ومن أسمى غايات هذه الرحلة المباركة، فرض الصلوات الخمس على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. كانت الصلوات في البداية خمسين صلاة في اليوم والليلة، ولكن بتشفع النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه، خُففت إلى خمس صلوات، وهي أجر خمسين صلاة، رحمةً من الله تعالى بهذه الأمة. تمثل الصلاة عماد الدين، والصلة بين العبد وربه، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام.

رؤية آيات عظيمة

خلال رحلته، أُري النبي صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى ما يُثبت قلبه ويُعظم إيمانه. رأى الجنة وما فيها من نعيم، ورأى النار وما فيها من عذاب، ورأى نماذج من أحوال الناس في الآخرة، ورأى جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية. كل هذه المشاهد كانت لتُبين له عظمة الله وقدرته، ولتُعطيه اليقين التام بما يُبلغه من رسالة.

دروس وعبر من ليلة الإسراء والمعراج

تُقدم ليلة الإسراء والمعراج دروسًا عظيمة للمسلمين في كل زمان ومكان:

* **قوة الإيمان واليقين:** أظهرت الرحلة قدرة الله المطلقة على كل شيء، وأن ما يبدو مستحيلاً في نظر البشر هو ممكن يسير عليه.
* **وحدة الرسالة السماوية:** لقاء الأنبياء في السماوات يؤكد على وحدة الدين الذي جاء به جميع الرسل، وهو الإسلام.
* **أهمية الصلاة:** فرض الصلوات الخمس في هذه الليلة يؤكد على مكانتها العظيمة في حياة المسلم، وأنها عماد الدين وصلة العبد بربه.
* **الصبر والثبات على الدعوة:** كانت الرحلة بمثابة دعم وتثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم في وجه ما كان يلاقيه من أذى ومعارضة في دعوته.
* **علم الله المطلق:** رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للجنة والنار وأحوال الناس في الآخرة تُبين أن علم الله شامل ومُحيط بكل شيء.

إن ليلة الإسراء والمعراج تظل ذكرى خالدة، تُذكرنا بعظمة الله، وبمكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبأهمية الصلاة كركيزة أساسية في حياتنا الإيمانية.

اترك التعليق