كيفية جعل الطفل يتكلم

كتبت بواسطة مروة
نشرت بتاريخ : الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 10:18 مساءً

إنّ المراحل الأولى من حياة الطفل تمثّل رحلة اكتشاف مذهلة، تتسارع فيها وتيرة النمو والتطور في مختلف جوانب حياته، ولعلّ أبرز مظاهر هذا التطور وأكثرها إثارة للاهتمام هو اكتساب اللغة والقدرة على التعبير. إنّ استجابة الطفل للأصوات، ومن ثمّ إصدار الأصوات، وصولاً إلى تكوين الكلمات والجمل، هي قفزات معرفية عميقة تُمهّد لبناء شخصيته وتفاعله مع العالم من حوله. إنّ كيفية جعل الطفل يتكلم ليس مجرد سؤال عن مهارة مكتسبة، بل هو دعوة لفهم آليات النمو اللغوي، وتحديد العوامل التي تُسهم في تحفيز هذه العملية الطبيعية، وتقديم الدعم الأمثل للوالدين في هذه الرحلة الثرية.

فهم مراحل تطور النطق لدى الأطفال

تُعدّ اللغة ظاهرة تتطور بشكل تدريجي، وتمرّ بمراحل عمرية محددة، تختلف من طفل لآخر في سرعتها ودقتها، ولكنها تتبع نمطاً عاماً يمكن ملاحظته. فهم هذه المراحل يُساعد الوالدين على وضع توقعات واقعية وتقديم الدعم المناسب في الوقت المناسب.

مرحلة ما قبل الكلام (0-12 شهراً)

تبدأ هذه المرحلة بالبكاء كوسيلة أساسية للتواصل، حيث يُعبّر الطفل من خلاله عن احتياجاته المختلفة كالجوع، أو الألم، أو الحاجة للراحة. ومع مرور الأشهر، تبدأ أصوات الغوغة بالظهور، وهي عبارة عن تراكيب صوتية بسيطة تتكون من حروف علة وحروف ساكنة (مثل آآآ، أووو، با با، ما ما). في نهاية هذه المرحلة، قد يبدأ الطفل بتقليد بعض الأصوات التي يسمعها، واستخدام إيماءات بدائية للتعبير عن رغبته، مثل الإشارة بيده.

مرحلة الكلمة الأولى (12-18 شهراً)

تُعتبر هذه الفترة غالباً بداية النطق الفعلي. يظهر الطفل كلمته الأولى، وعادة ما تكون سهلة النطق ومترجمة لكلمة أو معنى مألوف له، مثل ماما، بابا، ماء، لا. في هذه المرحلة، غالباً ما يستخدم الطفل هذه الكلمات بشكل متكرر، وقد لا تكون دقيقة تماماً في نطقها، ولكنها تحمل معنى واضحاً بالنسبة للوالدين.

مرحلة الجملة البسيطة (18-24 شهراً)

بعد اكتساب مخزون من الكلمات، يبدأ الطفل بدمج كلمتين أو أكثر لتكوين جمل بسيطة، مثل ماما ماء، أريد لعبة. هذه الجمل تُظهر بداية تشكّل الفهم لقواعد بناء الجملة، حتى لو كانت مبسطة جداً. يبدأ الطفل أيضاً بفهم الأوامر البسيطة ورد الفعل عليها، ويزداد فضوله تجاه تسمية الأشياء من حوله.

مرحلة الجمل الأكثر تعقيداً (2-3 سنوات)

تتطور قدرة الطفل على استخدام جمل أطول وأكثر تعقيداً. يبدأ باستخدام الضمائر، وصفات بسيطة، وأفعال. تصبح أسئلته أكثر تكراراً (ما هذا؟، لماذا؟)، ويُظهر اهتماماً بالقصص والأغاني. قد يبدأ الطفل بترديد جمل من الأغاني أو القصص التي يسمعها.

العوامل المؤثرة في تطور النطق

تتأثر قدرة الطفل على الكلام بمجموعة من العوامل المتداخلة، والتي تشمل البيئة المحيطة، والاستعداد الفطري، والصحة العامة.

الدور المحوري للتفاعل الوالدي

يُعتبر التفاعل الإيجابي والمباشر مع الوالدين من أهم المحفزات لتطور لغة الطفل.
التحدث المستمر: ينبغي على الوالدين التحدث إلى الطفل باستمرار، ووصف ما يفعلونه، وما يراه الطفل، وما يشعر به. هذا يُثري مفرداته ويُعطيه نماذج لغوية واضحة.
القراءة اليومية: تُعدّ قراءة القصص، حتى لو كانت للرضع، وسيلة فعالة لتنمية حب اللغة، وتعريض الطفل لمفردات متنوعة، وفهم تراكيب الجمل.
الغناء والترديد: الأغاني والأناشيد سهلة الحفظ والإيقاع تُساعد الطفل على تذكر الكلمات، وتحسين النطق، وتطوير الذاكرة.
الاستجابة لبكاء الطفل وأصواته: عند استجابة الوالدين لبكاء الطفل وأصواته، فإنهم يُرسلون له رسالة بأن تواصله مهم ويُقابل بالاهتمام، مما يُشجعه على الاستمرار في المحاولة.

البيئة المحفزة لغوياً

إنّ تشكيل بيئة ثرية بالكلمات والتفاعلات اللغوية يُحدث فرقاً كبيراً في سرعة ودقة تطور لغة الطفل.
التقليل من التعرض للشاشات: الاعتماد المفرط على التلفاز أو الأجهزة اللوحية، خاصة في الأعمار المبكرة، قد يُعيق التطور اللغوي الطبيعي because it reduces direct human interaction and the need for verbal communication.
تشجيع الاستكشاف والتسمية: عند استكشاف الطفل لشيء جديد، يجب تسميته له وتوضيح وظيفته أو طبيعته. مثلاً، عند اللعب بالكرة، يمكن قول هذه كرة، إنها دائرية، يمكن رميها.
التفاعل في المواقف اليومية: استغلال المواقف اليومية، مثل وقت الطعام، أو وقت الاستحمام، أو المشي في الخارج، للتحدث عن الأشياء، والألوان، والأصوات، ومشاعر الطفل.

دور اللعب في تنمية اللغة

اللعب ليس مجرد تسلية، بل هو أداة تعليمية قوية تُساهم في تطوير مهارات الطفل اللغوية والاجتماعية.
اللعب التخيلي: يُمكّن اللعب التخيلي الطفل من استخدام اللغة في سياقات مختلفة، وتجسيد أدوار، وتكوين حوارات.
الألعاب التي تتطلب التواصل: الألعاب الجماعية أو الألعاب التي تتطلب اتباع تعليمات تُشجع الطفل على الاستماع، والفهم، والتعبير عن رغباته.
الألعاب الحسية: اللعب بالصلصال، أو الماء، أو الرمل، يوفر فرصاً لوصف المواد، والألوان، والأشكال، مما يُنمي المفردات.

استراتيجيات فعالة لتشجيع الطفل على الكلام

عند ملاحظة تأخر نسبي في تطور لغة الطفل، أو لرغبة الوالدين في تسريع العملية، يمكن تطبيق مجموعة من الاستراتيجيات العملية.

تحفيز الاستجابة للأصوات والتواصل

تقليد أصوات الطفل: عندما يُصدر الطفل صوتاً، حاول تقليده. هذه الطريقة تُظهر له أنك تستمع وتتفاعل، وتشجعه على إصدار المزيد من الأصوات.
استخدام نبرة صوت مرحة: عند التحدث إلى الطفل، استخدم نبرة صوت أعلى ومرحة، فهذا يلفت انتباهه ويُحفزه على الاستماع والتفاعل.
ترك فترات صمت: بعد طرح سؤال على الطفل، أو قول جملة، امنحه وقتاً للصمت والاستجابة. قد يحتاج لبعض الوقت لمعالجة المعلومات.

إثراء المفردات وتعزيز الفهم

التكرار: لا تتردد في ترديد الكلمات والجمل المفيدة بشكل متكرر. التكرار هو مفتاح التعلم لدى الأطفال.
التوسع في كلام الطفل: عندما يقول الطفل كلمة أو جملة بسيطة، قم بالتوسع فيها. مثلاً، إذا قال كرة، قل نعم، هذه كرة حمراء كبيرة، هل تريد رميها؟.
النماذج اللغوية الصحيحة: قدم نماذج لغوية سليمة. تجنب استخدام لغة الأطفال المبسطة بشكل مبالغ فيه، فالطفل بحاجة لسماع اللغة الصحيحة ليتمكن من اكتسابها.

التعامل مع التحديات والتأخيرات

الصبر وعدم الضغط: يجب أن يتذكر الوالدان أن كل طفل لديه وتيرته الخاصة في التطور. الضغط المفرط قد يأتي بنتائج عكسية.
مراقبة علامات التطور: لاحظ أي تطور، مهما كان صغيراً، وقم بالاحتفاء به وتشجيعه.
استشارة المختصين: إذا كان هناك قلق حقيقي بشأن تأخر ملحوظ في تطور لغة الطفل، من الضروري استشارة طبيب الأطفال أو أخصائي النطق واللغة. يمكنهم تقييم الحالة وتقديم الإرشادات اللازمة.

متى يجب استشارة أخصائي؟

بالرغم من أن تطور اللغة يختلف من طفل لآخر، إلا أن هناك بعض العلامات التي قد تستدعي استشارة أخصائي في النطق واللغة:

عدم إصدار الطفل لأي أصوات أو غوغة بحلول عمر 6-9 أشهر.
عدم قدرة الطفل على فهم الأوامر البسيطة أو التفاعل مع اسمه بحلول عمر 12 شهراً.
عدم نطق أي كلمات أو محاولة التعبير عن احتياجاته بالكلمات بحلول عمر 18 شهراً.
عدم بناء جمل من كلمتين بحلول عمر سنتين.
وجود صعوبة واضحة في فهم كلام الآخرين أو عدم قدرتهم على فهم كلامه بشكل كبير في عمر 3 سنوات.

دور التقييم المبكر

يمكن للتقييم المبكر أن يُحدث فارقاً كبيراً في تقديم الدعم المناسب للأطفال الذين يواجهون صعوبات في تطور النطق. لا يتعلق الأمر بالتشخيص فقط، بل بتقديم الأدوات والاستراتيجيات التي تُمكن الطفل من تحقيق إمكاناته الكاملة.

في الختام، إنّ رحلة تعلم الطفل للكلام هي رحلة مشتركة بين الطفل والوالدين، تتطلب الصبر، والمحبة، والتفاعلات اليومية الهادفة. من خلال فهم مراحل التطور، وتوفير بيئة محفزة، وتطبيق استراتيجيات داعمة، يمكن للوالدين تمكين أطفالهم من إطلاق العنان لأصواتهم، والتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، والانخراط بفعالية في عالمهم. تذكر دائماً أن كل كلمة تُقال، وكل قصة تُقرأ، وكل أغنية تُغنى، هي حجر زاوية في صرح لغة طفلك المستقبلية.

الأكثر بحث حول "كيفية جعل الطفل يتكلم"

اترك التعليق