كيف نصلي الاستخارة

كتبت بواسطة ابراهيم
نشرت بتاريخ : الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 10:14 مساءً

الاستخارة: دربٌ إلى الطمأنينة واتخاذ القرار الصائب

في رحلة الحياة المليئة بالمنعطفات والتحديات، غالبًا ما يجد الإنسان نفسه أمام خيارات مصيرية تتطلب حكمة وروية. وبينما نعتمد على عقولنا وخبراتنا، يبقى هناك بُعد أعمق، بُعد إيماني وروحي، يلجأ إليه المسلم عند تعاظُم الحيرة وشِدَّة الاضطراب. هنا تبرز أهمية صلاة الاستخارة، تلك العبادة الروحانية التي تفتح أبواب السماء للدعاء والتضرع، وتطلب من الله تعالى، خالق الكون ومدبّره، الهداية والرشاد نحو الخيار الأفضل. إنها ليست مجرد صلاة، بل هي علاقة وثيقة بين العبد وربه، تعكس الثقة المطلقة في قدرة الله وعلمه وحكمته.

مفهوم الاستخارة والغرض منها

الاستخارة لغةً هي طلب الخير. وفي الاصطلاح الشرعي، هي طلب الهداية إلى الرشد والخير في الأمرين، وهو طلبٌ يتقدم به العبد إلى خالقه سبحانه وتعالى في أمرٍ يريد الإقدام عليه، ليختار الله له الأصلح والأخير. فهي عبادةٌ عظيمةٌ تُسلَّم فيها الأمور إلى وليّ النعم، مع اليقين بأن الله سيكشف الغيب ويُظهر الصواب، إما بالفتح والأُنس، أو بالصرف والكفّ.

الاستخارة: عبادةٌ محببةٌ في الإسلام

وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحث على الاستخارة وتبيّن فضلها. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلمنا الاستخارة في الأمر كله، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا همَّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (هنا تسمي الأمر الذي تريده) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال: في عاجل أمري وآجله – فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال: في عاجل أمري وآجله – فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به. (رواه البخاري).

كيفية أداء صلاة الاستخارة خطوة بخطوة

تتسم صلاة الاستخارة ببساطة أدائها ووضوح خطواتها، وذلك تجسيدٌ لرحمة الله بعبده وتيسيره لسبل العبادة.

أولاً: النية الصادقة

قبل الشروع في الصلاة، يجب أن تكون النية خالصة لله تعالى، وأن يكون القلب متعلقاً برجاء الخير من الله، مع الاستعداد التام لتقبل أي نتيجة يختارها الله.

ثانياً: الوضوء والطهارة

كأي صلاة، يشترط لصحة صلاة الاستخارة الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، وطهارة البدن والثوب والمكان.

ثالثاً: صلاة الركعتين

تُؤدى صلاة الاستخارة ركعتين بنية الاستخارة، وهي كأي صلاة نافلة. يقرأ المصلي في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة قل يا أيها الكافرون، وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة قل هو الله أحد. وقد توسع العلماء في هذا، فمنهم من قال إن قراءة أي سورتين جائز، طالما هناك سورتان.

رابعاً: الدعاء بالاستخارة

بعد الانتهاء من صلاة الركعتين، ومع اليقين التام بالله، يرفع المصلي يديه متضرعاً إلى الله سبحانه وتعالى داعياً بالدعاء المأثور.

نص دعاء الاستخارة

اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر – [تذكر الأمر الذي تستخير فيه] – خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال: في عاجل أمري وآجله – فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري – أو قال: في عاجل أمري وآجله – فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به.

ملاحظة هامة: يجب أن يذكر المصلي الأمر الذي يستخير فيه بوضوح في الدعاء، سواء كان زواجاً، عملاً، سفراً، أو أي أمر هام يتردد فيه.

متى تُؤدى صلاة الاستخارة؟

لا وقت محدد لأداء صلاة الاستخارة، ولكن يُفضل أن تُؤدى في وقتٍ تكون فيه أسباب الراحة والطمأنينة متوفرة، بعيداً عن ضغوط التفكير والتردد.

أوقاتٌ مستحبةٌ لأداء الاستخارة

بعد صلاة العشاء: غالباً ما يكون هذا الوقت مناسباً لمنع أي تشتيت الذهن.
قبل النوم: حيث يهدأ الذهن وتتجه النفس إلى الخالق.
في الثلث الأخير من الليل: وهو وقتٌ مباركٌ تدنو فيه الرحمات وكثرة الإجابة.
في الأوقات المستحبة للنوافل: أي في غير الأوقات المكروهة للصلاة.

علامات قبول الاستخارة وما بعدها

بعد أداء صلاة الاستخارة والدعاء، لا يجب على المصلي أن ينتظر علامة خارقة للطبيعة أو رؤيا واضحة في المنام. إنما يبدأ بعلاماتٍ لطيفةٍ تبعث في قلبه الاطمئنان والراحة تجاه أحد الخيارين.

ظهور الأُنس والراحة

إذا شعر المصلي بالانشراح والقبول تجاه أمرٍ معين، وأصبح قلبه ميالاً إليه، وزالت وحشة التردد، فغالبًا ما يكون هذا دليلاً على الخير في هذا الأمر.

انشراح الصدر وزوال الوحشة

قد يأتيه التيسير في هذا الأمر، وتزول العقبات، وتبدو الأمور ممهدة، وهذا دليلٌ واضحٌ على أن هذا هو الخيار الذي اختاره الله له.

الشعور بالراحة النفسية

حتى لو لم تظهر علامات فورية، فإن مجرّد الشعور بالسكينة والاطمئنان بعد الدعاء هو علامةٌ كافيةٌ على أن الله قد وجّه قلبه نحو الخير.

في مقابل ذلك: علامات الصرف

إذا بدا الأمر مكروهاً للنفس، وشعر المصلي بالضيق والنفور منه، أو واجهت الأمور صعوبات وعقبات كبيرة، فهذا قد يكون دليلاً على أن الله يصرفه عن هذا الأمر لشرٍّ فيه.

ماذا لو استمر التردد؟

إذا استمر التردد ولم تتضح رؤية، فيمكن تكرار صلاة الاستخارة، مع تجديد الدعاء والتوكل على الله. وفي بعض الحالات، قد يكون من المفيد استشارة أهل الرأي والصلاح ممن تثق بدينهم ورأيهم.

مسائلٌ وردت حول الاستخارة

تثار بعض التساؤلات حول الاستخارة، وتتجلى فيها رحابة الشريعة الإسلامية.

هل الاستخارة واجبة؟

لا، الاستخارة ليست واجبة، بل هي سنةٌ مؤكدةٌ ومفضلةٌ في الأمور التي يتردد فيها الإنسان.

هل تُجزئ صلاة الاستخارة عن صلاة الحاجة؟

بعض العلماء يرون أن صلاة الاستخارة يمكن أن تُؤدى بنية صلاة الحاجة أيضاً، خاصة إذا اشتملت على الدعاء بالحاجة.

هل تُكرر الاستخارة؟

نعم، إذا استمر التردد أو لم تتضح الرؤية، يمكن تكرار صلاة الاستخارة.

ماذا عن الأمور الصغيرة؟

يُفضل ترك الاستخارة في الأمور الصغيرة التي لا يترتب عليها كبير أثر، فالاستخارة تُشرع في الأمور ذات الأهمية والتي يتجاوز فيها الأمر مجرد التفكير اليومي العادي.

في الختام، تبقى صلاة الاستخارة بلسماً شافياً للروح، ودليلاً ربانياً يرشد المسلم في متاهات الحياة. إنها تعبر عن إيمانٍ عميقٍ بقدرة الخالق وعلمه وحكمته، وتُسلِّم له زمام الأمور، متيقناً بأن الخيرة فيما اختاره الله. فاجعل الاستخارة ديدنك في كل أمرٍ يهمك، لتجد في قلبك طمأنينة، وفي حياتك بركة، وفي مصيرك خيراً ونجاحاً.

اترك التعليق