مقدمة
تُعد حركة الجنين في رحم الأم مؤشراً حيوياً على صحته وتطوره. هذه الحركات، التي تبدأ خفيفة وتتزايد مع تقدم الحمل، ليست مجرد علامة مطمئنة للأهل، بل هي جزء أساسي من نمو الطفل وتطوره العصبي والعضلي. ومع ذلك، قد تواجه بعض الأمهات قلقاً بشأن ملاحظة انخفاض في حركة الجنين، وهي حالة تُعرف بـ قلة حركة الجنين. هذا الانخفاض قد يكون مدعاة للقلق، ولكنه يتطلب فهماً دقيقاً لأسبابه، وكيفية تقييمه، وما يجب اتخاذه من إجراءات عند حدوثه، لضمان سلامة الأم والجنين.
قلة حركة الجنين: تعريف وأسباب
تُعرف قلة حركة الجنين بانخفاض ملحوظ ومستمر في عدد مرات أو قوة حركات الجنين التي تشعر بها الأم. تختلف طبيعة هذه الحركات وكثافتها من جنين لآخر، وتتأثر بعوامل متعددة مثل عمر الحمل، وضعية الجنين، ونشاط الأم. ومع ذلك، فإن أي تغيير مفاجئ أو مقلق في نمط الحركة يستدعي الانتباه.
الأسباب المحتملة لقلة حركة الجنين متنوعة وتتراوح بين ما هو طبيعي وغير مقلق، وما هو يستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً. من الضروري فهم هذه الأسباب لتقديم الرعاية المناسبة.
أسباب طبيعية وغير مقلقة
مرحلة النمو: في المراحل المبكرة من الحمل، تكون حركات الجنين خفيفة وغير منتظمة، وقد لا تشعر بها الأم بوضوح. مع نمو الجنين، تزداد قوته وتصبح حركاته أكثر وضوحاً.
مرحلة النوم: يمر الجنين بفترات نوم منتظمة داخل الرحم، تشبه دورات النوم لدى حديثي الولادة. خلال هذه الفترات، قد تقل حركاته بشكل ملحوظ، وهي ظاهرة طبيعية تماماً. تستمر دورات النوم هذه عادةً ما بين 20 إلى 40 دقيقة، ولكنها قد تمتد إلى 90 دقيقة.
موقع المشيمة: إذا كانت المشيمة متوضعة في الجزء الأمامي من الرحم (المشيمة الأمامية)، فقد تعمل هذه الطبقة الإضافية كعازل، مما يقلل من إحساس الأم بحركات الجنين.
نشاط الأم: عندما تكون الأم مشغولة أو نشطة، قد لا تنتبه جيداً لحركات الجنين، خاصة إذا كانت خفيفة.
وضعية الجنين: قد يؤثر وضع الجنين داخل الرحم على قدرة الأم على الشعور بحركاته. على سبيل المثال، إذا كان الجنين يواجه نحو داخل الرحم، فقد تكون حركاته أقل بروزاً.
أسباب تتطلب تقييماً طبياً
نقص الأوكسجين للجنين: قد يعاني الجنين من نقص في الأكسجين نتيجة لمشاكل في المشيمة، أو الحبل السري، أو حتى مشاكل في صحة الأم مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري. نقص الأوكسجين يؤثر سلباً على حركة الجنين، وقد يكون إشارة إلى معاناته.
مشاكل المشيمة: ضعف نمو المشيمة، انفصال المشيمة المبكر، أو قصور المشيمة (عدم وصول كمية كافية من الدم والمواد المغذية للجنين) كلها عوامل قد تؤثر على صحة الجنين وحركته.
عيوب خلقية: في بعض الحالات، قد تكون قلة حركة الجنين علامة على وجود عيوب خلقية معينة تؤثر على نموه البدني أو العصبي.
ارتفاع أو انخفاض سوائل الرحم: الكمية المفرطة من السائل الأمنيوسي (تعدد الأكياس الأمنيوسية) أو القليلة جداً (قلة الأكياس الأمنيوسية) يمكن أن تؤثر على حركة الجنين.
تأخر النمو داخل الرحم (IUGR): عندما لا ينمو الجنين بالمعدل المتوقع، قد ينعكس ذلك على قوته وحركته.
وفاة الجنين داخل الرحم: في حالات نادرة جداً، قد تكون الإشارة الأخيرة لانخفاض حركة الجنين هي توقفها تماماً، مما يدل على وفاة الجنين.
كيفية تقييم حركة الجنين
تُعد مراقبة حركة الجنين جزءاً أساسياً من الرعاية الصحية للحمل. لا توجد قاعدة موحدة لعدد الحركات لكل جنين، حيث يختلف الأمر من فترة لأخرى ومن حمل لآخر. ومع ذلك، هناك خطوات يمكن للأم اتخاذها لتقييم حركة جنينها، وما يجب أن تفعله إذا لاحظت تغييراً.
مراقبة حركة الجنين في المنزل
اختاري وقتاً هادئاً: خصصي وقتاً يومياً، يفضل عندما يكون الجنين نشطاً عادةً، لمراقبة حركاته. قد يكون ذلك في المساء أو بعد تناول وجبة.
الاستلقاء والتركيز: استلقي على جانبك الأيسر وركزي على الشعور بحركات الجنين. حاولي أن تكوني في بيئة هادئة وخالية من المشتتات.
شرب شيء بارد أو سكري: قد يساعد شرب كوب من الماء البارد أو عصير الفاكهة على تحفيز الجنين ليبدأ بالحركة.
تسجيل الحركات: في بعض الأحيان، قد تساعد تغذية بسيطة على حساب عدد الحركات خلال فترة زمنية معينة (عادةً ساعة أو ساعتين). الهدف ليس عد كل حركة، بل التأكد من وجود نمط منتظم وحركة ملحوظة.
الانتباه لتغير النمط: الأهم من عدد الحركات هو التغيير في نمط الحركة المعتاد. فإذا كانت حركات الجنين عادةً قوية ووشيكة، وأصبحت خفيفة جداً أو متباعدة بشكل غير طبيعي، فهذا يستدعي القلق.
متى يجب الاتصال بالطبيب
انخفاض ملحوظ ومستمر: إذا لاحظتِ انخفاضاً كبيراً في حركة الجنين يستمر لأكثر من ساعتين، أو إذا شعرتِ بأن حركاته أقل بكثير من المعتاد بشكل مستمر، يجب عليكِ الاتصال بطبيبك أو الذهاب إلى المستشفى فوراً.
تغير مفاجئ في النمط: حتى لو كانت الحركات لا تزال موجودة، ولكن نمطها تغير بشكل مفاجئ ومقلق (مثلاً، من حركات قوية إلى خفيفة جداً)، فلا تترددي في استشارة الطبيب.
عدم الشعور بأي حركة: إذا لم تشعري بأي حركة للجنين على الإطلاق، خاصة بعد الأسبوع 24 من الحمل، فهذا يستدعي تقييماً طبياً عاجلاً.
الفحوصات الطبية عند الاشتباه بقلة حركة الجنين
عند ذهاب الحامل إلى المستشفى أو عيادة الطبيب بسبب قلة حركة الجنين، سيتم إجراء عدة فحوصات لتقييم حالة الجنين بشكل دقيق.
مراقبة القلب نبض الجنين (Cardiotocography – CTG): يتم توصيل جهاز خاص لبطن الأم يسجل نبضات قلب الجنين ونشاطه. هذا الفحص يقيم استجابة نبضات قلب الجنين لحركاته، ويعطي مؤشرات حول صحته.
فحص الموجات فوق الصوتية (Ultrasound): تسمح الموجات فوق الصوتية للطبيب برؤية الجنين والتحقق من:
حجم الجنين: التأكد من أن حجمه مناسب لعمر الحمل.
كمية السائل الأمنيوسي: قياس كمية السائل المحيط بالجنين.
حركة الجنين: على الرغم من أن الأم قد لا تشعر بالحركة، إلا أن الموجات فوق الصوتية قد تكشف عن وجود حركات غير ملحوظة.
نمو الجنين: تقييم نمو الجنين في فترات الحمل التالية.
وضع المشيمة والحبل السري: التأكد من سلامة وضعهم.
فحص حجم البطن (Fundal Height Measurement): يقيس الطبيب ارتفاع الرحم لتقدير حجم الجنين.
فحص تدفق الدم (Doppler Ultrasound): في بعض الحالات، قد يستخدم الطبيب تقنية دوبلر لقياس تدفق الدم في الحبل السري أو شرايين الأم للحصول على مؤشرات إضافية حول وصول الغذاء والأكسجين للجنين.
ماذا يحدث إذا تأكدت قلة حركة الجنين؟
إذا أظهرت الفحوصات وجود مشكلة حقيقية أدت إلى قلة حركة الجنين، فسيتخذ الفريق الطبي قرارات بناءً على شدة الحالة وعمر الحمل.
المراقبة المكثفة: قد تحتاج الأم إلى البقاء في المستشفى للمراقبة المستمرة لحالة الجنين.
التحفيز المبكر للولادة: في حالات معينة، خاصة إذا كان الجنين في خطر، قد يقرر الطبيب تحفيز الولادة مبكراً لضمان سلامته. يعتمد القرار على حالة الجنين، عمر الحمل، واستقرار حالة الأم.
علاج الأسباب الكامنة: إذا كان سبب قلة الحركة يعود لحالة لدى الأم (مثل ارتفاع ضغط الدم أو سكري الحمل)، فسيتم التركيز على علاج هذه الحالة.
إعطاء سترويدات الرئة: إذا تقرر تحفيز الولادة قبل الأوان، قد يتم إعطاء الأم حقن سترويدات لتسريع نضج رئتي الجنين.
الوقاية من قلة حركة الجنين
لا يمكن دائماً الوقاية من قلة حركة الجنين، حيث أن بعض الأسباب قد تكون خارجة عن سيطرة الأم. ومع ذلك، يمكن اتباع بعض الإرشادات لتعزيز صحة الحمل وتقليل المخاطر:
الرعاية السابقة للولادة بانتظام: الالتزام بالمواعيد الدورية مع الطبيب للكشف المبكر عن أي مشاكل.
اتباع نظام غذائي صحي: تناول غذاء متوازن وغني بالفيتامينات والمعادن لدعم نمو الجنين.
تجنب التدخين والكحول: هذه العادات تضر بصحة الجنين وتزيد من مخاطر حدوث مضاعفات.
التحكم في الأمراض المزمنة: إذا كانت الأم تعاني من السكري، ارتفاع ضغط الدم، أو أي حالة مزمنة أخرى، فيجب التحكم فيها بشكل جيد تحت إشراف طبي.
الاستماع لجسدك: الانتباه إلى أي تغييرات أو قلق تشعر به الأم وإبلاغ الطبيب بها فوراً.
الترطيب الجيد: شرب كميات كافية من الماء.
* تجنب الإجهاد الشديد: محاولة الحصول على قسط كافٍ من الراحة.
خاتمة
إن قلة حركة الجنين هي عرض يدعو للحذر والانتباه، ولكنه ليس بالضرورة إشارة إلى مشكلة خطيرة. الفهم الدقيق لأسبابها، وكيفية تقييمها، والتشجيع على التواصل المباشر مع الفريق الطبي عند الشعور بأي قلق، كلها خطوات أساسية لضمان سلامة رحلة الحمل. لا يجب على الأمهات التردد في طلب المساعدة الطبية أو استشارة الطبيب عند الشعور بأي تغيير في حركة جنينهن، فالوعي والمتابعة هما حجر الزاوية لرعاية صحية ناجحة للأم والجنين.
