جدول المحتويات
قصة قصيرة عن التسامح الديني في البحرين
في قلب الخليج العربي، حيث تتلاقى رمال الصحراء مع زرقة البحر، تقف مملكة البحرين كمنارة للتسامح والتعايش. ليست البحرين مجرد أرض تزينها المعالم التاريخية وتنعشها التجارة، بل هي بوتقة انصهرت فيها الثقافات والأديان عبر قرون، لتنسج قصة فريدة من الوئام الديني يصعب إيجادها في بقاع أخرى. هذه ليست مجرد شعارات تُرفع، بل هي واقع ملموس يعيشه الناس يومًا بعد يوم، قصة تتجسد في تفاصيل الحياة اليومية، وفي قلوب أهلها الذين احتضنوا الاختلاف كقيمة أساسية.
جذور ضاربة في التاريخ: إرث من التعايش
لم يكن التسامح الديني في البحرين وليد اللحظة، بل هو إرث ضارب في جذور التاريخ. منذ القدم، كانت البحرين محطة للقوافل التجارية وملاذًا للحضارات المختلفة. توافد إليها التجار والبحارة من شتى أصقاع الأرض، حاملين معهم ثقافاتهم ومعتقداتهم. هنا، لم يكن هناك مكان للتعصب أو الإقصاء. بل كانت أبواب الدور والمجالس مفتوحة للجميع، بغض النظر عن ديانتهم أو مذهبهم.
أسست هذه العوامل التاريخية أرضية صلبة للتسامح، مكنت الأديان المختلفة من العيش جنبًا إلى جنب في سلام واحترام متبادل. الأعياد والمناسبات لم تكن حكرًا على دين بعينه، بل تحولت إلى مناسبات يتشارك فيها الجميع الفرح والاحتفاء، مما عزز الروابط الاجتماعية والنسيج المجتمعي.
أصوات متنوعة في مشهد واحد: كنائس ومعابد متجاورة
ربما تكون الصورة الأكثر إيضاحًا للتسامح الديني في البحرين هي رؤية دور العبادة المختلفة تقف شامخة، متجاورة، كشهود على هذا التعايش الفريد. في العاصمة المنامة، وعلى مقربة من المساجد التي يصدح منها الأذان، تقف الكنائس التي تمثل الطوائف المسيحية المختلفة، جنباً إلى جنب مع المعابد الهندوسية التي تعكس تواجد الجالية الهندية العريقة.
المشي في شوارع المنامة، قد تصادف مساجد تاريخية تعود إلى قرون مضت، وعلى بعد خطوات قليلة، ترى صروحًا دينية مسيحية حديثة، ثم تصل إلى منطقة تشهد على وجود المعابد الهندوسية. هذا التواجد المتناغم لا يعكس مجرد وجود أتباع لديانات مختلفة، بل يشير إلى ثقافة عميقة من الاحترام والتقدير المتبادل، حيث لا تشعر أي طائفة بأنها غريبة أو مهمشة.
الكنائس: واحة روحانية للجميع
تضم البحرين عددًا من الكنائس الرائعة التي تخدم الجالية المسيحية المقيمة فيها، والتي تتنوع طوائفها لتشمل الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس وغيرهم. من أبرز هذه الكنائس “كنيسة القلب المقدس” الكاثوليكية، و”كنيسة القديس بطرس” الأنجليكانية. هذه الكنائس ليست مجرد أماكن للعبادة، بل هي مراكز اجتماعية وثقافية تنظم فعاليات مشتركة، وتستقبل الزوار من جميع الخلفيات، مقدمةً صورة حية عن الانفتاح والتسامح.
المعابد الهندوسية: تاريخ من التجذر
تتميز البحرين بوجود أقدم المعابد الهندوسية في منطقة الخليج، وأبرزها “معبد شري كريشنا” في المنامة، والذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر. هذا المعبد ليس مجرد بناء حجري، بل هو قلب نابض للجالية الهندوسية، ورمز لتاريخها الطويل في البحرين. يفتح المعبد أبوابه للجميع، ويشهد على الأعياد والمناسبات الهندوسية التي يشارك فيها أحيانًا أبناء الديانات الأخرى، مما يؤكد على روح المشاركة والتعايش.
مجتمع واحد، قلوب متشابكة: قصص من الواقع
تتجاوز قصة التسامح الديني في البحرين مجرد وجود دور عبادة متجاورة. إنها تتجلى في العلاقات الإنسانية، في التفاعل اليومي بين الناس.
الاحتفال بالأعياد المشتركة
من أجمل مظاهر هذا التسامح، هو احتفاء المجتمع بأعياد بعضه البعض. في موسم الأعياد الإسلامية، يتبادل المسلمون التهاني مع أصدقائهم المسيحيين والهندوس. وفي أوقات الأعياد المسيحية، مثل عيد الميلاد أو عيد الفصح، يحرص الكثير من المسلمين والهندوس على تهنئة نظرائهم، بل قد يشاركونهم بعض الاحتفالات.
التعاون في أوقات الشدة
عندما تواجه المملكة أي تحديات، سواء كانت طبيعية أو اجتماعية، يتجاوز الناس اختلافاتهم الدينية ليتكاتفوا يدًا بيد. تتشكل لجان تطوعية تضم مختلف الأديان، وتعمل معًا لتقديم المساعدة والدعم لمن يحتاج. هذه اللحظات تكشف عن أعمق معاني الإنسانية، وتبرز الوحدة الوطنية التي تتجاوز أي انتماءات فرعية.
التسامح كقيمة نبيلة: رؤية ملكية داعمة
إن التسامح الديني في البحرين ليس مجرد ظاهرة عفوية، بل هو قيمة أصيلة أرستها القيادة الحكيمة للمملكة. لطالما أكدت القيادة البحرينية، وعلى رأسها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، على أهمية احترام جميع الأديان والمعتقدات، وتعزيز ثقافة الحوار والتعايش.
تتجلى هذه الرؤية في العديد من المبادرات والمؤسسات التي أُنشئت لتعزيز التسامح، مثل “مركز الملك حمد العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات”. هذا المركز يلعب دوراً محورياً في نشر ثقافة التسامح على الصعيدين المحلي والدولي، ويقدم نموذجاً يحتذى به في بناء جسور التفاهم بين الشعوب.
ختامًا: بحرين… حيث يلتقي الإيمان بالوئام
في الختام، فإن قصة التسامح الديني في البحرين ليست مجرد حكاية تُروى، بل هي واقع حي، وإرث متجدد. إنها شهادة على قدرة الإنسان على تجاوز اختلافات المعتقدات، والعيش في وئام واحترام. البحرين، بقلوب أهلها المتفتحة، ودور عباداتها المتجاورة، ورؤيتها الملكية الداعمة، تظل نموذجًا يحتذى به في بناء مجتمعات تسودها المحبة والتفاهم، وتتغلب فيها قيم الإنسانية على كل ما سواها.
