سبب نقص الوزن لمريض السكر

كتبت بواسطة نجلاء
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 12:39 مساءً

لماذا يعاني مرضى السكري من نقص الوزن؟ فهم الأسباب والعوامل المؤثرة

في عالم يتزايد فيه الوعي بمرض السكري، غالبًا ما يرتبط هذا الداء بزيادة الوزن كأحد عوامل الخطر أو كمضاعفة شائعة. ومع ذلك، قد يتفاجأ البعض بأن نقص الوزن يمكن أن يكون أيضًا علامة مقلقة لدى مرضى السكري، بل قد يكون مؤشرًا على تفاقم الحالة أو وجود مضاعفات خفية. إن فهم الأسباب الكامنة وراء هذا النقص في الوزن أمر بالغ الأهمية لضمان حصول المرضى على الرعاية المناسبة وتحسين نوعية حياتهم.

السكري غير المتحكم فيه: حلقة مفرغة من استنزاف الطاقة

السبب الأساسي والأكثر شيوعًا لنقص الوزن لدى مرضى السكري، وخاصة النوع الأول الذي غالبًا ما يظهر في سن مبكرة، هو عدم قدرة الجسم على استخدام الجلوكوز (السكر) كمصدر أساسي للطاقة. في الحالة الطبيعية، يقوم الأنسولين، وهو هرمون تنتجه خلايا بيتا في البنكرياس، بتسهيل دخول الجلوكوز إلى الخلايا لاستخدامه في إنتاج الطاقة. لكن عند مرضى السكري، إما أن البنكرياس لا ينتج كمية كافية من الأنسولين (النوع الأول)، أو أن خلايا الجسم تقاوم تأثير الأنسولين (النوع الثاني).

1. فقدان الجلوكوز عبر البول: سكر يضيع مع الماء

عندما ترتفع مستويات الجلوكوز في الدم بشكل كبير، تتجاوز الكلى قدرتها على إعادة امتصاصه. نتيجة لذلك، يبدأ الجلوكوز بالخروج من الجسم عبر البول. هذه الظاهرة، المعروفة باسم “بيلة سكرية” (glycosuria)، لا تعني فقط فقدان سكر الدم، بل تحمل معها أيضًا كميات كبيرة من الماء. هذا الفقد المستمر للسوائل يؤدي إلى الجفاف، مما يساهم بشكل مباشر في فقدان الوزن. والأدهى من ذلك، أن الجسم يفقد بهذه الطريقة مصدرًا رئيسيًا للطاقة، مما يضطره للبحث عن مصادر بديلة.

2. استهلاك الأنسجة الدهنية والعضلية: الجسم يلتهم نفسه

عندما لا يتمكن الجسم من الحصول على الطاقة الكافية من الجلوكوز، يلجأ إلى آليات بديلة لتوفير الوقود اللازم للخلايا. يبدأ الجسم في تكسير الدهون المخزنة (الأنسجة الدهنية) لاستخدامها كمصدر للطاقة. هذه العملية، التي تحدث بشكل كبير عند مرضى السكري غير المتحكم فيه، تؤدي إلى انخفاض واضح في كتلة الدهون بالجسم. بالإضافة إلى ذلك، قد يبدأ الجسم أيضًا في تكسير البروتينات الموجودة في العضلات لتحويلها إلى جلوكوز (عملية استحداث الجلوكوز أو gluconeogenesis). هذا الاستهلاك المزمن للأنسجة الدهنية والعضلية هو السبب الرئيسي وراء النقص الملحوظ في الوزن لدى هؤلاء المرضى.

3. زيادة معدل الأيض الأساسي: حرق سعرات حرارية أكثر

تشير بعض الدراسات إلى أن مرضى السكري، خاصة النوع الأول، قد يعانون من زيادة في معدل الأيض الأساسي. هذا يعني أن أجسامهم تحرق سعرات حرارية بمعدل أسرع حتى في حالة الراحة. قد يكون هذا مرتبطًا بالاستجابة الفسيولوجية لارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم أو لبعض التغيرات الهرمونية المرتبطة بالمرض. ارتفاع معدل الأيض هذا، مقترنًا بفقدان الطاقة عبر البول وعدم القدرة على استخدام الجلوكوز بكفاءة، يؤدي إلى عجز كبير في السعرات الحرارية، وبالتالي فقدان الوزن.

مضاعفات السكري التي تؤثر على الوزن: ما وراء خلل الجلوكوز

لا يقتصر نقص الوزن على خلل استخدام الجلوكوز فحسب، بل يمكن أن يكون أيضًا نتيجة لمضاعفات أخرى لمرض السكري تؤثر على الجهاز الهضمي أو وظائف الأعضاء الحيوية.

1. الاعتلال العصبي السكري: الأمعاء البطيئة والشهية المفقودة

يمكن أن يؤدي الاعتلال العصبي السكري، وهو تلف الأعصاب الناتج عن ارتفاع مستويات السكر في الدم لفترات طويلة، إلى مشاكل في الجهاز الهضمي. أحد أبرز هذه المشاكل هو “اعتلال المعدة السكري” (gastroparesis)، حيث يتباطأ إفراغ المعدة للطعام. هذا التباطؤ يمكن أن يسبب الشعور المبكر بالشبع، والغثيان، والقيء، وعسر الهضم، وفقدان الشهية. نتيجة لذلك، يتناول المريض كميات أقل من الطعام، مما يؤدي إلى نقص السعرات الحرارية المكتسبة وفقدان الوزن.

2. مشاكل الامتصاص: الأمعاء لا تعمل بكفاءتها

في بعض الحالات، يمكن أن يؤثر الاعتلال العصبي على الأمعاء الدقيقة، مما يؤدي إلى مشاكل في امتصاص العناصر الغذائية. حتى لو تناول المريض كميات كافية من الطعام، فإن جسمه قد لا يكون قادرًا على امتصاص الفيتامينات والمعادن والبروتينات والدهون بشكل فعال. هذا سوء الامتصاص المستمر يمكن أن يؤدي إلى نقص في الوزن، بالإضافة إلى أعراض أخرى مثل الإسهال.

3. أمراض الكلى السكري: استنزاف البروتين وفقدان الشهية

عندما تتأثر الكلى بمرض السكري (اعتلال الكلى السكري)، فإنها قد تفقد قدرتها على الاحتفاظ بالبروتينات في الدم، مما يؤدي إلى فقدانها عبر البول. كما أن وظائف الكلى المتدهورة يمكن أن تسبب تراكم السموم في الجسم، مما يؤدي إلى فقدان الشهية، والشعور بالغثيان، والتعب، وكلها عوامل تساهم في فقدان الوزن.

عوامل أخرى مساهمة في نقص الوزن

بالإضافة إلى الأسباب المباشرة المتعلقة بالسكري، هناك عوامل أخرى يمكن أن تزيد من احتمالية نقص الوزن لدى هؤلاء المرضى:

1. العلاج الدوائي: التأثيرات الجانبية للأدوية

بعض الأدوية المستخدمة لعلاج مرض السكري، وخاصة تلك التي تهدف إلى خفض نسبة السكر في الدم، قد يكون لها آثار جانبية تشمل الغثيان، وفقدان الشهية، أو حتى الإسهال، مما يؤثر على تناول الطعام وامتصاصه.

2. التوتر النفسي والقلق: عبء المرض

العيش مع مرض مزمن مثل السكري يمكن أن يكون مرهقًا نفسيًا. القلق والتوتر المستمر يمكن أن يؤثرا سلبًا على الشهية ويساهمان في فقدان الوزن.

3. الأمراض المصاحبة: عدو مزدوج

قد يعاني مرضى السكري من أمراض أخرى قد تزيد من استهلاك الطاقة أو تقلل من امتصاص العناصر الغذائية، مثل أمراض الغدة الدرقية، أو بعض أنواع العدوى المزمنة، أو حتى السرطان.

متى يجب القلق؟ العلامات التحذيرية التي لا يجب تجاهلها

يُعد فقدان الوزن غير المبرر، سواء كان كبيرًا أو تدريجيًا، لدى مريض السكري علامة تحذيرية تتطلب اهتمامًا طبيًا فوريًا. يجب على المرضى وعائلاتهم الانتباه إلى أي انخفاض ملحوظ في الوزن، أو تغيرات في عادات الأكل، أو ظهور أعراض مثل التعب الشديد، أو العطش المفرط، أو كثرة التبول، أو الغثيان المستمر.

التشخيص والعلاج: استعادة التوازن الصحي

يتطلب تشخيص سبب نقص الوزن لدى مريض السكري إجراء تقييم طبي شامل. سيقوم الطبيب بمراجعة التاريخ الطبي للمريض، وإجراء فحوصات جسدية، وطلب تحاليل دم وبول لقياس مستويات الجلوكوز، والتحقق من وظائف الكلى والكبد، وتقييم مستويات الهرمونات. قد تشمل الفحوصات الإضافية اختبارات لتقييم حركة الجهاز الهضمي أو البحث عن علامات سوء الامتصاص.

يعتمد العلاج على السبب الأساسي. في حال كان السبب هو عدم التحكم الجيد في نسبة السكر في الدم، فإن الهدف الأول هو تحقيق استقرار في مستويات الجلوكوز من خلال تعديل جرعات الأدوية، أو تغيير النظام الغذائي، أو زيادة النشاط البدني. أما إذا كانت هناك مضاعفات أخرى، فسيتم معالجتها بشكل منفصل. قد يشمل العلاج أيضًا استراتيجيات لزيادة الوزن، مثل تناول وجبات صغيرة ومتكررة، واختيار الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والعناصر الغذائية، وربما مكملات غذائية أو حتى تغذية أنبوبية في الحالات الشديدة.

في الختام، نقص الوزن لدى مرضى السكري ليس مجرد عرض جانبي بسيط، بل هو غالبًا ما يشير إلى خلل عميق في استقلاب الجسم أو إلى مضاعفات خطيرة تتطلب تدخلاً طبيًا عاجلاً. إن الوعي بهذه الأسباب والاستجابة السريعة لأي علامات تحذيرية يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في مسار علاج المريض وتحسين فرصته في عيش حياة صحية ومتوازنة.

اترك التعليق