سبب نقص الوزن

كتبت بواسطة ياسر
نشرت بتاريخ : الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 10:01 مساءً

يعاني الكثيرون من مشكلة نقص الوزن، وهي حالة قد تكون مجهدة نفسياً وجسدياً. على عكس السمنة التي تحظى بقدر كبير من الاهتمام، غالباً ما يتم تجاهل الأسباب الكامنة وراء النحافة المفرطة، مما يؤخر التشخيص والعلاج المناسب. إن معرفة الأسباب الحقيقية لنقص الوزن هي الخطوة الأولى نحو استعادته وتحسين الصحة العامة. إنها ليست مجرد مسألة مظهر خارجي، بل قد تكون مؤشراً على اضطرابات صحية أعمق تحتاج إلى عناية.

أسباب عضوية لنقص الوزن

يمكن أن تنبع مشكلة نقص الوزن من مجموعة واسعة من الحالات الطبية الكامنة. هذه الأسباب العضوية تتطلب تقييماً دقيقاً من قبل الأطباء لتحديد السبب الأساسي وتلقي العلاج الفعال.

اضطرابات الغدة الدرقية

تعتبر الغدة الدرقية، وهي غدة صغيرة على شكل فراشة في الرقبة، مسؤولة عن تنظيم عملية الأيض في الجسم.

##### فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism)

في حالة فرط نشاط الغدة الدرقية، تفرز الغدة كميات زائدة من هرمونات الغدة الدرقية، مما يؤدي إلى تسريع عملية الأيض بشكل كبير. هذا التسارع يعني أن الجسم يحرق السعرات الحرارية بمعدل أسرع بكثير من المعتاد، حتى أثناء الراحة. نتيجة لذلك، قد يعاني الشخص من فقدان الوزن غير المبرر على الرغم من تناول كميات طبيعية أو حتى زائدة من الطعام. تشمل الأعراض الأخرى لفرط نشاط الغدة الدرقية زيادة معدل ضربات القلب، والشعور بالتوتر والقلق، والرعشة، وزيادة التعرق، وصعوبة النوم.

أمراض الجهاز الهضمي

يلعب الجهاز الهضمي دوراً حيوياً في امتصاص العناصر الغذائية من الطعام. أي خلل في وظيفته يمكن أن يؤثر بشكل كبير على قدرة الجسم على اكتساب الوزن.

##### سوء الامتصاص (Malabsorption)

تحدث متلازمة سوء الامتصاص عندما لا يتمكن الجهاز الهضمي من امتصاص العناصر الغذائية الضرورية من الطعام بشكل صحيح. قد يكون هذا نتيجة لأمراض مثل:

الداء البطني (Celiac Disease): وهو اضطراب مناعي ذاتي يحدث عند تناول الغلوتين، وهو بروتين موجود في القمح والشعير والشوفان. يمكن أن يؤدي الداء البطني إلى تلف بطانة الأمعاء الدقيقة، مما يقلل بشكل كبير من قدرتها على امتصاص العناصر الغذائية.
مرض كرون (Crohn’s Disease): وهو نوع من أمراض الأمعاء الالتهابية (IBD) الذي يمكن أن يؤثر على أي جزء من الجهاز الهضمي، من الفم إلى الشرج. يسبب الالتهاب تلفاً في جدران الأمعاء، مما يعيق الامتصاص ويؤدي إلى فقدان الوزن.
التهاب البنكرياس المزمن (Chronic Pancreatitis): يؤثر هذا الالتهاب المستمر في البنكرياس على إنتاج الإنزيمات الهاضمة، مما يجعل من الصعب على الجسم تكسير وامتصاص الدهون والكربوهيدرات والبروتينات.
العدوى الطفيلية (Parasitic Infections): بعض الطفيليات المعوية، مثل الجيارديا، يمكن أن تتداخل مع عملية الهضم وامتصاص العناصر الغذائية، مما يؤدي إلى نقص الوزن.

##### أمراض الأمعاء الالتهابية (IBD)

بالإضافة إلى مرض كرون، يشمل هذا النوع قرحة القولون (Ulcerative Colitis). تؤدي الالتهابات المزمنة الشديدة في الأمعاء إلى صعوبة في تناول الطعام، وفقدان الشهية، وفقدان العناصر الغذائية، مما يسهم في نقص الوزن.

العدوى المزمنة

بعض أنواع العدوى التي تستمر لفترات طويلة يمكن أن تستهلك طاقة الجسم وتزيد من احتياجاته الغذائية، مما يؤدي إلى فقدان الوزن.

##### فيروس نقص المناعة البشرية (HIV/AIDS)

في مراحله المتقدمة، يمكن أن يسبب الإيدز فقدان الوزن الشديد، وهي حالة تعرف باسم الهزال (Wasting Syndrome). يعود ذلك إلى أن الفيروس والعدوى الانتهازية المصاحبة له تزيد من معدل الأيض وتسبب مشاكل في تناول الطعام وامتصاصه.

##### السل (Tuberculosis)

يعد السل، وهو عدوى بكتيرية تؤثر بشكل أساسي على الرئتين، سبباً شائعاً لنقص الوزن، خاصة في المناطق الموبوءة. تزيد العدوى من الحاجة إلى الطاقة وتسبب فقدان الشهية.

السرطان (Cancer)

يمكن أن يؤدي نمو الخلايا السرطانية إلى استهلاك كميات كبيرة من طاقة الجسم.

##### تأثير السرطان على الوزن

تستهلك الخلايا السرطانية العناصر الغذائية في الجسم بشكل مستمر، مما يغير طريقة استخدام الجسم للطاقة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تسبب بعض أنواع السرطان فقدان الشهية، أو الغثيان، أو صعوبة في البلع، كل ذلك يساهم في عدم تناول كمية كافية من الطعام. قد تفرز الأورام أيضاً مواد تؤثر على الأيض وتؤدي إلى فقدان الوزن.

اضطرابات الأكل

النحافة المفرطة لا تنجم دائماً عن أسباب طبية جسدية، بل يمكن أن تكون نتيجة لاضطرابات نفسية تؤثر على سلوك الأكل.

##### فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa)

هو اضطراب نفسي خطير يتميز بالخوف الشديد من زيادة الوزن، وإدراك مشوه للجسم، وتقييد شديد لتناول الطعام. يعمد الأشخاص المصابون بفقدان الشهية العصبي إلى تقليل كمية الطعام التي يتناولونها بشكل كبير، مما يؤدي إلى نقص شديد في الوزن.

##### الشره المرضي العصبي (Bulimia Nervosa)

على الرغم من أن الأشخاص المصابين بالشره المرضي قد يحافظون على وزن طبيعي أو قريب منه، إلا أن الدورة المكونة من نوبات الأكل المفرط متبوعة بسلوكيات تعويضية مثل التقيؤ المتعمد أو استخدام الملينات يمكن أن تؤدي في الحالة الشديدة إلى نقص الوزن مع مرور الوقت، بالإضافة إلى أنها تضر بالجهاز الهضمي والصحة العامة.

أسباب أخرى

هناك عوامل أخرى قد تساهم في نقص الوزن.

##### العوامل المتعلقة بالتقدم في السن

مع التقدم في العمر، قد تحدث تغيرات طبيعية في الجسم تؤثر على الوزن، مثل فقدان الشهية، أو صعوبات المضغ والبلع، أو انخفاض القدرة على تذوق الطعام، أو زيادة احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة التي تؤثر على الشهية أو الامتصاص.

##### الآثار الجانبية للأدوية

بعض الأدوية، مثل تلك المستخدمة في علاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، أو أورام الغدة الدرقية، أو العلاج الكيميائي، يمكن أن تسبب فقدان الشهية أو الغثيان، مما يؤدي إلى نقص الوزن.

الأسباب النفسية والاجتماعية

لا ينبغي التقليل من شأن الأثر الهائل للعوامل النفسية والاجتماعية على الوزن.

الإجهاد والقلق المزمن

يمكن أن يؤثر التوتر الشديد والقلق المستمر على وظائف الجسم بشكل مباشر، بما في ذلك الشهية.

##### التأثير على الشهية

في بعض الأشخاص، يؤدي الإجهاد إلى زيادة الشهية ورغبة في تناول أطعمة معينة (غالباً ما تكون غنية بالسكريات والدهون)، ولكن لدى فئة كبيرة أخرى، يكون التأثير معاكساً تماماً، حيث يسبب الإجهاد والقلق فقداناً شديداً في الشهية، وتقييداً لا إرادياً أو واعياً لتناول الطعام، مما يؤدي إلى نقص الوزن.

الاكتئاب

الاكتئاب ليس مجرد شعور بالحزن، بل هو اضطراب نفسي يمكن أن يؤثر بعمق على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك العادات الغذائية.

##### الاكتئاب وفقدان الوزن

غالبًا ما يرتبط الاكتئاب بفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، بما في ذلك تناول الطعام. قد يشعر الأشخاص المكتئبون بالخمول الشديد، أو فقدان الطاقة، أو تشتت الانتباه، مما يجعل إعداد وتناول وجبة كاملة أمراً صعباً. قد يؤدي الاكتئاب أيضاً إلى تغيرات في مستويات الهرمونات التي تنظم الشهية، مثل السيروتونين.

الصدمات النفسية

التجارب المؤلمة، سواء كانت أحداثاً مفردة أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، لها تأثير عميق على الصحة النفسية والجسدية.

##### الاستجابات الجسدية للصدمة

يمكن أن تؤدي الصدمات النفسية إلى استجابات جسدية شديدة، بما في ذلك اضطرابات النوم، وزيادة مستويات هرمونات التوتر (مثل الكورتيزول)، وتغيرات في الشهية. قد يجد الأشخاص الذين عانوا من الصدمات صعوبة في الشعور بالأمان أو الراحة، مما قد ينعكس على علاقتهم بالطعام.

العزلة الاجتماعية وقلة الدعم

لا يدرك الكثيرون أهمية الشبكات الاجتماعية القوية والدعم العاطفي.

##### دور الدعم الاجتماعي

يمكن أن يؤدي الشعور بالوحدة أو العزلة الاجتماعية إلى تفاقم المشاكل النفسية مثل القلق والاكتئاب، والتي بدورها تؤثر على عادات الأكل. كما أن غياب الدعم الاجتماعي قد يجعل الأفراد أقل ميلاً لطلب المساعدة أو اتباع خطط علاجية، مما يعيق استعادة الوزن.

نصائح لزيادة الوزن بشكل صحي

بعد التعرف على الأسباب المحتملة لنقص الوزن، يصبح التركيز على استعادته أمراً ضرورياً. يجب أن تتم زيادة الوزن بطريقة صحية ومستدامة، وليس فقط بزيادة كمية الطعام العشوائية.

تناول سعرات حرارية أكثر

المبدأ الأساسي لزيادة الوزن هو استهلاك سعرات حرارية أكثر مما يحرقه الجسم.

##### زيادة كمية الوجبات الخفيفة

إضافة وجبات خفيفة صحية بين الوجبات الرئيسية يمكن أن يزيد من إجمالي السعرات الحرارية اليومية. تشمل الخيارات الجيدة المكسرات، والفواكه المجففة، والزبادي الكامل الدسم، والأفوكادو، وشرائح الخبز الكامل مع زبدة المكسرات.
##### اختيار الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والمغذيات

لا تهدف فقط إلى زيادة السعرات الحرارية، بل اختر الأطعمة التي توفر أيضاً فيتامينات ومعادن وبروتينات. الأطعمة مثل اللحوم الخالية من الدهون، والأسماك الدهنية، والبيض، ومنتجات الألبان، والبقوليات، والحبوب الكاملة، والخضروات النشوية (مثل البطاطس والذرة) هي خيارات ممتازة.
##### إضافة الدهون الصحية

الدهون الصحية، مثل تلك الموجودة في زيت الزيتون، والأفوكادو، والمكسرات، والبذور، هي وسيلة فعالة لزيادة السعرات الحرارية دون زيادة حجم الوجبة بشكل كبير.

ممارسة تمارين المقاومة

قد يبدو الأمر متناقضاً، لكن التمارين المناسبة يمكن أن تساعد في زيادة الوزن بطريقة صحية.

##### بناء الكتلة العضلية

تمارين المقاومة، مثل رفع الأثقال أو استخدام وزن الجسم، تساعد في بناء الكتلة العضلية. العضلات أكثر كثافة من الدهون، وبالتالي فإن زيادتها تساهم في زيادة الوزن بشكل صحي وتحسين قوة الجسم.
##### أهمية البروتين

لتعزيز نمو العضلات، يجب التأكد من تناول كمية كافية من البروتين، والذي يوجد في مصادر مثل اللحوم، والأسماك، والبيض، ومنتجات الألبان، والبقوليات.

استشارة متخصص

في حال وجود مخاوف جدية بشأن نقص الوزن، فإن استشارة الأطباء والمتخصصين أمر بالغ الأهمية.

##### التشخيص الطبي

يمكن للطبيب إجراء فحوصات لتحديد ما إذا كان هناك سبب طبي كامن لنقص الوزن، مثل مشاكل الغدة الدرقية أو الجهاز الهضمي.
##### استشارة أخصائي تغذية

يمكن لأخصائي التغذية وضع خطة غذائية مخصصة تناسب احتياجات الفرد، مع التركيز على زيادة السعرات الحرارية مع الحفاظ على التوازن الغذائي.
##### العلاج النفسي

إذا كان نقص الوزن مرتبطاً باضطرابات الأكل أو مشاكل نفسية أخرى، فإن العلاج النفسي مع معالج متخصص يمكن أن يكون ضرورياً.

الخاتمة

إن مشكلة نقص الوزن ليست أقل أهمية أو تأثيراً من السمنة. يمكن أن تكون عواقبها وخيمة على الصحة العامة والعافية النفسية. يتطلب فهم الأسباب الكامنة لنقص الوزن، سواء كانت عضوية، أو نفسية، أو اجتماعية، نهجاً شاملاً. من خلال التشخيص الدقيق، والعلاج المناسب، واتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة، والحصول على الدعم النفسي اللازم، يمكن للأفراد الذين يعانون من نقص الوزن استعادة صحتهم وعافيتهم، والتمتع بحياة أفضل وأكثر توازناً. تذكر دائماً أن البحث عن المساعدة المهنية هو خطوة حكيمة وشجاعة نحو الشفاء.

اترك التعليق