جدول المحتويات
حكم اتيان الزوجة من الدبر: رؤية شرعية وفقهية من منظور عثمان الخميس
يُعدّ موضوع العلاقة الزوجية في الإسلام من القضايا التي حظيت باهتمام بالغ، وشملت تفاصيل دقيقة تتعلق بحقوق وواجبات كل من الزوجين. ومن بين هذه التفاصيل، تبرز مسألة إتيان الزوجة من الدبر، وهي مسألة فقهية خلافية بين العلماء، وقد تناولها فضيلة الشيخ عثمان الخميس، أحد أبرز علماء أهل السنة والجماعة المعاصرين، بتفصيل واستفاضة، مبيناً الرأي الراجح لديه استناداً إلى الأدلة الشرعية.
الأسس الشرعية للخلاف في المسألة
يكمن جوهر الخلاف الفقهي حول مسألة إتيان الزوجة من الدبر في تفسير النصوص الشرعية وفهم مقاصدها. فمن جهة، يستدل القائلون بالجواز ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي قد تُفهم على إطلاقها، أو بالقياس على مسائل أخرى. ومن جهة أخرى، يستدل القائلون بالتحريم بآيات وأحاديث أخرى تُفهم على وجه التخصيص، أو بالنظر إلى مقاصد الشريعة في حفظ الفطرة والانساب.
الرأي الراجح عند عثمان الخميس: التحريم مع وجود تفصيل
يُرجح فضيلة الشيخ عثمان الخميس، في كثير من محاضراته ولقاءاته، تحريم إتيان الزوجة من الدبر. وتستند هذه الفتوى إلى مجموعة من الأدلة، أبرزها:
* **النهي الصريح في بعض النصوص:** يشير الشيخ إلى وجود أحاديث نهى فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن. ويرى أن هذه الأحاديث واضحة وصريحة في الدلالة على التحريم.
* **مخالفة الفطرة:** يعتبر الشيخ أن هذا الفعل مخالف للفطرة السليمة التي خلق الله الناس عليها، وأن الإسلام جاء ليوافق الفطرة ولا يخالفها.
* **الأضرار الصحية والنفسية:** يلفت النظر إلى ما قد يترتب على هذا الفعل من أضرار صحية ونفسية قد تلحق بالزوجة، وأن الشريعة الإسلامية تحث على إلحاق الضرر.
* **تحقيق مقاصد الزواج:** يرى الشيخ أن الزواج شرع لتحقيق مقاصد عظيمة كالإعفاف، والتناسل، وبناء الأسرة، وأن هذا الفعل لا يحقق هذه المقاصد على الوجه المطلوب.
التفصيل في المسألة: حالات قد تُخفف من حدة التحريم
على الرغم من ترجيحه للتحريم، إلا أن فضيلة الشيخ عثمان الخميس قد يفتح باب التفصيل في بعض الحالات، وهو ما يتطلب فهماً دقيقاً لمقاصده. من هذه الحالات التي قد تُناقش:
* **الإكراه أو الاضطرار:** في حالات الإكراه أو الاضطرار الشديد، قد تختلف الأحكام، ولكن هذا لا يعني الجواز المطلق، بل قد يُنظر إلى الضرورات التي تبيح المحظورات.
* **الرغبة المشتركة والتراضي:** قد يثار تساؤل حول مدى تأثير رغبة الزوجة وتراضيها على الحكم. وهنا، يؤكد الشيخ أن تراضي الزوجة لا يُجيز ما حرّمه الله، وأن الحقوق الشرعية لا تسقط بالرضا إن كانت تخالف النصوص القطعية.
* **التفسيرات المختلفة للأدلة:** لا يخفى على أحد أن هناك اجتهادات فقهية مختلفة في تفسير النصوص. وقد يسرد الشيخ بعض هذه الاجتهادات، ولكنه يعود ليؤكد على قوة الأدلة التي يراها في ترجيح رأي التحريم.
الأدلة التي يستند إليها القائلون بالجواز (مع رد الشيخ عليها)
من المهم الإشارة إلى أن هناك من العلماء من ذهب إلى جواز هذا الفعل، بناءً على أدلة قد تكون محل خلاف. ومن أبرز هذه الأدلة:
* **قوله تعالى: “نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم” (البقرة: 223).** يرى القائلون بالجواز أن هذه الآية عامة وتشمل أي موضع من مواضع الإتيان.
* **بعض الأحاديث:** قد يستدل البعض بأحاديث ضعيفة أو تحمل تأويلات مختلفة.
وفي المقابل، يرد فضيلة الشيخ عثمان الخميس على هذه الأدلة بما يلي:
* **تخصيص الآية:** يوضح الشيخ أن الآية وإن كانت عامة في ظاهرها، إلا أنها تُخصص بآيات وأحاديث أخرى تدل على النهي، وأن الأحاديث الصحيحة الواردة في النهي أولى بالاتباع.
* **ضعف بعض الأحاديث:** يشير إلى أن بعض الأحاديث التي تُستدل بها في الجواز قد تكون ضعيفة السند أو المتن، وبالتالي لا يُحتج بها.
* **قواعد التفسير:** يطبق قواعد أصول الفقه في ترجيح النصوص، ويرى أن أدلة التحريم أقوى وأوضح.
مقاصد الشريعة في تنظيم العلاقة الزوجية
إن تناول الشيخ عثمان الخميس لهذه المسألة لا ينفصل عن رؤيته الشاملة لمقاصد الشريعة الإسلامية في تنظيم العلاقة الزوجية. فالشريعة جاءت لتحقيق مصالح الناس ودفع المفاسد عنهم، سواء في الدنيا أو الآخرة. ومن هذه المقاصد:
* **تحقيق السكن والمودة والرحمة:** الزواج مؤسسة قائمة على المودة والرحمة، ويجب أن تسير في إطار يحقق هذه الغايات.
* **حفظ النسل:** التناسل هدف أساسي من أهداف الزواج، وهذا الفعل قد لا يحقق هذا الهدف بشكل مباشر.
* **حفظ الأنساب:** إتيان الدبر قد يترتب عليه اختلاط في الأنساب، أو صعوبة في تحديد الأبوة، وهذا مما حرصت الشريعة على حفظه.
* **الحفاظ على كرامة الإنسان وفطرته:** الشريعة تهدف إلى حفظ كرامة الإنسان وصيانة فطرته التي خلق عليها.
الخلاصة: أهمية الرجوع إلى أهل العلم
في ختام هذه المسألة، يشدد فضيلة الشيخ عثمان الخميس، وغيره من أهل العلم، على أهمية الرجوع إلى أهل العلم الراسخين في المسائل الشرعية، وعدم الاعتماد على الآراء المتفرقة أو غير الموثقة. فالمسائل الفقهية، خاصة تلك المتعلقة بالعلاقات الأسرية، تتطلب فهماً دقيقاً للنصوص، وعلماً بقواعد الاستنباط، وإلماماً بمقاصد الشريعة. ورؤيته الواضحة والمفصلة في حكم إتيان الزوجة من الدبر، المبنية على الأدلة الصحيحة، تُقدم للباحث عن الحق دليلاً قوياً ورؤية شرعية واضحة.
