حكم اتيان الزوجة من الدبر في القران

كتبت بواسطة هناء
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 11:27 صباحًا

فهم أعمق للنص القرآني: حكم اتيان الزوجة من الدبر

في رحاب القرآن الكريم، تتجلى أحكام الشريعة الإسلامية الشاملة التي تنظم حياة المسلم في كافة جوانبها، بما في ذلك العلاقات الزوجية. ومن بين المسائل التي أثارت نقاشًا وجدلًا، مسألة حكم اتيان الزوجة من الدبر. يتطلب الخوض في هذا الموضوع تدقيقًا في النصوص الشرعية، وفهمًا للسياقات التي وردت فيها، واستيعابًا لآراء الفقهاء والعلماء عبر العصور. إن الغوص في هذه المسألة لا يهدف إلى التجريم أو الإدانة، بل إلى استجلاء الحكم الشرعي بناءً على ما ورد في المصدر الأساسي للتشريع الإسلامي، وهو القرآن الكريم، مع الاستعانة بالسنة النبوية كمفسرة ومبينة له.

آية النساء: مفتاح الفهم

تُعد الآية الكريمة في سورة البقرة، الآية 223، هي المرجع الأساسي عند الحديث عن هذه المسألة. تقول الآية: “نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم لِقَآؤُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ”.

تفسير “أنّى شئتم” وحدودها

لقد شكلت عبارة “أنّى شئتم” محورًا رئيسيًا في تفسير هذه الآية. فهل تعني هذه العبارة إطلاق الحرية المطلقة للزوجين في كيفية المعاشرة، أم أن هناك قيودًا وضوابط شرعية تنظم هذه الحرية؟ يرى جمهور الفقهاء أن المقصود بـ “أنّى شئتم” هو الإباحة في كيفية الإتيان في موضع الحرث، وهو القبل. هذا التفسير يستند إلى سياق الآية التي شبهت الزوجة بالحرث، وهو موضع الزراعة والإنجاب. وبالتالي، فإن الإتيان يكون في الموضع المخصص للإنجاب، أي القبل.

التحذير من الإتيان في الدبر

استنادًا إلى هذا الفهم، فإن الإتيان في الدبر يُعد خارجًا عن نطاق المقصود من الآية، بل ويعارضه. وقد استدل الفقهاء على ذلك بالعديد من الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة التي تنهى عن ذلك. فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في دبرهما” (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه). وفي رواية أخرى: “ملعون من أتى امرأة في دبرها” (رواه أبو داود). هذه الأحاديث، بتأكيدها على النهي واللعن، تضع حدًا واضحًا لهذه الممارسة.

الآثار الصحية والنفسية: ما وراء الحكم الشرعي

لا يقتصر الحكم الشرعي على النص القرآني والنبوي فحسب، بل يتأثر أيضًا بالآثار المترتبة على الفعل نفسه. من الناحية الصحية، أثبتت الدراسات الطبية أن الإتيان من الدبر يحمل مخاطر صحية متعددة، منها انتقال الأمراض المنقولة جنسيًا، وإصابات في الأنسجة، واضطرابات هضمية. هذه المخاطر الصحية تُعد داعمًا إضافيًا للحكم الشرعي بالتحريم، فالشريعة الإسلامية دائمًا ما تهدف إلى جلب المصالح ودفع المفاسد.

على الصعيد النفسي، يمكن أن يؤدي هذا الفعل إلى مشاكل في العلاقة الزوجية، والشعور بالنفور أو عدم الاحترام بين الزوجين. إن بناء علاقة زوجية صحية وقوية يقوم على المودة والرحمة والاحترام المتبادل، وهذه الممارسة قد تتعارض مع هذه المبادئ الأساسية.

آراء الفقهاء المعاصرين: تأكيد على التحريم

على الرغم من بعض الآراء الشاذة أو التأويلات البعيدة عن المتن الشرعي، فإن الغالبية العظمى من الفقهاء المعاصرين يؤكدون على تحريم اتيان الزوجة من الدبر. يستندون في ذلك إلى الأدلة القرآنية والنبوية المذكورة، وإلى ما أقرته الأبحاث الطبية من أضرار. يشدد هؤلاء الفقهاء على أن العلاقة الزوجية يجب أن تكون مبنية على ما يرضي الله تعالى، وأن اتباع الهوى أو التقليد الأعمى لما قد يروج له في بعض المجتمعات لا يجوز أن يتعارض مع النصوص الشرعية الواضحة.

ضرورة الحوار والتوعية

في ظل ما قد يثار من تساؤلات أو انتشار لبعض الممارسات، يصبح من الضروري التأكيد على أهمية الحوار الصريح والهادئ بين الزوجين حول الأمور الجنسية، وفي حدود ما تسمح به الشريعة. كما أن التوعية بالأحكام الشرعية الصحيحة، والآثار المترتبة على الممارسات الجنسية، تلعب دورًا حيويًا في بناء أسرة مسلمة واعية ومتمسكة بتعاليم دينها. يجب أن يكون هذا الحوار قائمًا على الفهم الصحيح للنصوص، بعيدًا عن الشبهات والتأويلات الخاطئة.

خاتمة: التمسك بالمنهج الشرعي

في الختام، يتضح أن الحكم الشرعي في مسألة اتيان الزوجة من الدبر، بناءً على النص القرآني والسنة النبوية الصحيحة، هو التحريم. ولا يغير هذا الحكم ما قد تروج له بعض الثقافات أو ما قد يتبناه البعض من آراء شاذة. إن التمسك بالمنهج الشرعي في كافة شؤون الحياة، ومنها العلاقة الزوجية، هو السبيل لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة.

اترك التعليق