جدول المحتويات
حكم اتيان الزوجة من الدبر: رؤية شرعية وقانونية من دار الإفتاء المصرية
يمثل موضوع العلاقة الزوجية من الدبر أحد القضايا التي تثير جدلاً واسعاً في المجتمعات الإسلامية، وتتعدد الآراء حوله بين التحريم والتفصيل. ولأن دار الإفتاء المصرية هي مرجعيتها الشرعية المعتبرة في استنباط الأحكام وتوضيح المسائل الدينية، فإن النظر في فتواها وتفصيلاتها يصبح ضرورياً لفهم الحكم الشرعي وفقاً لمنهجيتها. تستند دار الإفتاء في معالجتها لهذه المسألة إلى النصوص الشرعية، وقواعد الفقه، ومقاصد الشريعة، محاولةً تقديم رؤية متوازنة تجمع بين صون الفطرة والحرص على استقرار الأسرة.
الخلفية الشرعية والنصوص المؤثرة
لطالما كان الكتاب والسنة هما المصدر الأساسي لاستنباط الأحكام الشرعية. وفي مسألة إتيان الزوجة من الدبر، تتوقف الآراء على تفسير النصوص الواردة في هذا الشأن. يرى جمهور الفقهاء، استناداً إلى بعض النصوص، أن هذا الفعل محرم شرعاً. ومن أبرز ما يستدل به في هذا السياق هو قوله تعالى في وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (المؤمنون: 5-7). يفسر البعض هذا الحصر في “الفروج” بأنه يشمل المواضع المعتادة للعلاقة الزوجية، وأن تجاوزها يعتبر اعتداءً.
كما يستدل ببعض الأحاديث النبوية التي ورد فيها النهي عن إتيان المرأة في دبرها. ويُشدد على أن هذه النصوص، وإن اختلفت طرق روايتها أو قوتها، إلا أنها مجتمعة تشكل رأياً قوياً لدى جمهور الفقهاء بتحريم هذا الفعل. ومع ذلك، لا يغيب عن الساحة الفقهية وجود آراء أخرى ترى جواز هذا الفعل، أو تفرّق بين حالاته، معللة ذلك بأن الأصل في علاقة الزوج بزوجته هو الإباحة ما لم يرد نص صريح بالتحريم، وأن الآيات والأحاديث قد تحتمل تفسيرات أخرى.
موقف دار الإفتاء المصرية: التحريم مع التفصيل
تتبنى دار الإفتاء المصرية موقفاً واضحاً وحاسماً في هذه المسألة، حيث تؤكد على تحريم إتيان الزوجة من الدبر. وتستند في فتواها إلى ما تقدم من أدلة شرعية، مع التركيز على الآية الكريمة التي وصفت من يبتغي وراء ذلك بالعادين. ترى الدار أن هذه الآية تشمل كل صور الممارسة الجنسية غير المشروعة أو التي تتجاوز الحدود الطبيعية والفطرية للعلاقة الزوجية.
الأساس الفقهي للفتوى
توضح دار الإفتاء أن التحريم يستند إلى عدة اعتبارات فقهية:
* **مخالفة السنة والفطرة:** يعتبر هذا الفعل مخالفاً للسنة النبوية الشريفة وللفطرة الإنسانية السليمة التي خُلق عليها الإنسان.
* **الضرر الصحي:** تشير الدار إلى وجود أضرار صحية محتملة قد تنجم عن ممارسة هذه العلاقة، مثل انتقال الأمراض أو حدوث إصابات.
* **مقاصد الشريعة:** تهدف الشريعة الإسلامية إلى الحفاظ على النسل، وصحة الأبدان، وسلامة المجتمعات. وهذا الفعل قد يتعارض مع هذه المقاصد.
التمييز بين الحالات: هل هناك استثناءات؟
على الرغم من حسمها في التحريم، إلا أن دار الإفتاء، كمنهجها في استنباط الأحكام، تسعى دائماً إلى التفصيل والتمييز بين الحالات. في سياق العلاقة الزوجية، تؤكد الدار أن الأصل هو الاستمتاع المشروع بين الزوجين، وأن أي ممارسة تخرج عن هذا الإطار وتلحق ضرراً أو مخالفة شرعية فإنها لا تجوز.
في بعض الأحيان، قد تُثار أسئلة تتعلق بحالات خاصة، مثل الضرورة أو العلاج. وهنا، تتطلب الفتوى تفصيلاً دقيقاً، حيث أن الضرورات تبيح المحظورات في حدود ضيقة جداً، وبعد استشارة المختصين. ولكن، في سياق العلاقة الزوجية الطبيعية، فإن الموقف الشرعي يظل ثابتاً على التحريم.
الآثار النفسية والاجتماعية للعلاقة المحرمة
لا يقتصر الأمر على الجانب الشرعي فحسب، بل تمتد الآثار لتشمل الجوانب النفسية والاجتماعية للعلاقة الزوجية. تعتبر دار الإفتاء أن العلاقات الجنسية السليمة هي أساس بناء أسرة مستقرة ومتماسكة، وأن أي انحراف عن هذا المسار قد يؤدي إلى:
* **فقدان الثقة والاحترام:** قد يؤدي اللجوء إلى ممارسات غير مشروعة إلى تدهور العلاقة بين الزوجين، وفقدان الاحترام المتبادل.
* **مشكلات نفسية:** قد يعاني أحد الطرفين أو كلاهما من مشكلات نفسية كالقلق والاكتئاب، والشعور بالذنب أو عدم الرضا.
* **تفكك أسري:** في الحالات القصوى، قد تؤدي هذه الممارسات إلى تفكك الأسرة وانهيار بنيانها.
دور التوعية والإرشاد الأسري
تؤكد دار الإفتاء على أهمية التوعية والإرشاد الأسري في توضيح هذه المسائل. فالشاب والفتاة المقبلان على الزواج، وكذلك الأزواج القائمون، بحاجة إلى فهم صحيح للعلاقة الزوجية من منظور شرعي ونفسي وصحي. ويتطلب هذا:
* **التثقيف الجنسي السليم:** توفير المعلومات الصحيحة والموثوقة حول العلاقة الزوجية، وطرق الاستمتاع المشروع، وتجنب الممارسات الخاطئة.
* **الاستشارة الشرعية والنفسية:** تشجيع الأزواج على اللجوء إلى أهل العلم والاختصاص عند وجود أي استفسارات أو مشكلات تتعلق بالعلاقة الزوجية.
* **بناء علاقة زوجية صحية:** التركيز على بناء علاقة زوجية تقوم على المودة والرحمة والتفاهم، واحترام الحدود الشرعية والفطرية.
خاتمة: التأكيد على الوسطية والرحمة
في نهاية المطاف، تسعى دار الإفتاء المصرية، من خلال فتاواها وتوضيحاتها، إلى تحقيق التوازن بين حفظ حدود الشرع وتيسير أمور المسلمين. وموقفها من إتيان الزوجة من الدبر يمثل تأكيداً على حرمة هذا الفعل، مع ضرورة فهم الأسباب الشرعية والنفسية والاجتماعية الكامنة وراء هذا الموقف. إن الهدف الأسمى هو بناء أسرة مسلمة قوية، تقوم على المودة والرحمة، وتلتزم بالضوابط الشرعية، وتحافظ على فطرتها السليمة.
