حكم إتيان الزوجة من الدبر عند الشيعة

كتبت بواسطة مروة
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 11:27 صباحًا

حكم إتيان الزوجة من الدبر في المذهب الشيعي: استقصاء فقهي

تُعد العلاقة الزوجية من أسمى الروابط التي شرعها الله، وهي تتضمن جوانب متعددة تتجاوز مجرد الإنجاب لتشمل المودة والرحمة، وتحقيق الحاجات النفسية والجسدية للزوجين. وفي سياق استكشاف الحدود الشرعية لهذه العلاقة، يبرز موضوع إتيان الزوجة من الدبر كمسألة فقهية شغلت بال العلماء والمجتهدين في المذهب الشيعي الإمامي. يتطلب فهم هذا الحكم استعراضاً دقيقاً للأدلة الشرعية، والنظريات الفقهية، وآراء الفقهاء، مع مراعاة السياق الاجتماعي والثقافي الذي نشأت فيه هذه الأحكام.

الرؤية الشرعية العامة للعلاقات الزوجية

قبل الخوض في تفاصيل الحكم محل البحث، من الضروري التأكيد على أن الشريعة الإسلامية، بمذاهبها المختلفة، تنظر إلى العلاقة الزوجية على أنها ميثاق غليظ، وأن الهدف الأساسي منها هو تحقيق السكن والمودة والرحمة، بالإضافة إلى حفظ النسل. وقد وضعت الشريعة ضوابط وأحكاماً تنظم هذه العلاقة، تهدف في مجملها إلى حفظ كرامة الإنسان، وصون الأعراض، وتحقيق المصالح المترتبة على الزواج.

الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية

يُعد البحث عن حكم مسألة إتيان الزوجة من الدبر استناداً إلى القرآن الكريم والسنة النبوية منطلقا أساسياً. وبالتدقيق في النصوص، نجد أن القرآن الكريم لم يشر صراحة إلى تحريم هذه الممارسة، بل تحدث عن العلاقة الزوجية في سياق أوسع، كقوله تعالى: “نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ” (البقرة: 223). وقد اختلف المفسرون والفقهاء حول دلالة هذه الآية وما إذا كانت تشمل إتيان الزوجة في الدبر أم لا.

أما السنة النبوية، فقد وردت فيها أحاديث تتعلق بهذا الموضوع، إلا أن هذه الأحاديث غالباً ما تكون محل اختلاف في ثبوتها أو دلالتها بين المحدثين والفقهاء. بعض هذه الأحاديث تشير إلى كراهة هذه الممارسة، بينما يرى البعض الآخر أنها محرمة. ولعل هذا الاختلاف في تفسير النصوص هو ما أدى إلى تباين الآراء الفقهية.

آراء الفقهاء الشيعة الإمامية

في المذهب الشيعي الإمامي، نجد تفصيلاً وافراً في تناول هذه المسألة، ويمكن تقسيم الآراء إلى اتجاهات رئيسية:

الاتجاه الأول: التحريم

يذهب عدد كبير من الفقهاء الشيعة إلى تحريم إتيان الزوجة من الدبر. ويستند هؤلاء الفقهاء إلى عدة أدلة، منها:

* **الأخبار والروايات:** يعتمدون على بعض الروايات المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) التي تفيد بتحريم هذه الممارسة، أو كراهتها الشديدة التي تقترب من التحريم. وقد قاموا بتوثيق هذه الروايات ودراسة أسانيدها.
* **الآيات القرآنية:** يرى البعض أن الآية “نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ” لا تخرج عن المعنى العام لإباحة الاستمتاع بالزوجة في قبلها، وأن إتيان الدبر لا يدخل ضمن هذا المعنى، بل هو خروج عن مقصود “الحرث” الذي هو موضع النسل.
* **القياس على المحرمات:** يرى بعض الفقهاء أن إتيان الدبر فيه مشابهة لبعض المحرمات الأخرى، أو أنه يفتح باباً لما هو أشد حرمة، أو أنه يتنافى مع طبيعة العلاقة الزوجية التي تقوم على التكريم والاحترام.

الاتجاه الثاني: الكراهة الشديدة

يرى فريق آخر من الفقهاء أن هذه الممارسة مكروهة كراهة شديدة، وليست محرمة تحريماً قاطعاً. ويستندون في رأيهم إلى:

* **روايات الكراهة:** يعتمدون على الروايات التي تدل على كراهة هذه الفعلة، معتبرين أن الكراهة لا تصل إلى مرتبة التحريم.
* **مرونة الآيات القرآنية:** يرون أن الآية “أَنَّى شِئْتُمْ” قد تحمل دلالة على الإباحة في الجملة، وأن الكراهة تأتي من باب التأدب والأخلاق، أو من باب الاحتياط.
* **الحفاظ على العلاقة الزوجية:** قد يرى بعض الفقهاء أن الحكم بالكراهة يراعي طبيعة العلاقة الزوجية وما قد يترتب على إطلاق التحريم من إشكالات.

الاتجاه الثالث: الإباحة بشروط (رأي أقلية أو تفصيلي)

على الرغم من أن الرأي السائد هو التحريم أو الكراهة الشديدة، قد تجد آراء فقهية أقلية أو تفصيلية تشير إلى إباحة هذه الممارسة في حالات معينة، أو مع وجود شروط. وغالباً ما تكون هذه الآراء مستندة إلى تفسيرات معينة للأخبار، أو إلى مبادئ فقهية أوسع تتعلق بحرية الزوجين في الاستمتاع ضمن إطار الشرع، مع التأكيد على عدم الإضرار بالطرف الآخر. ولكن هذا الرأي ليس هو السائد ولا المعول عليه في غالب الأحيان.

التفاصيل الفقهية والموانع

بصرف النظر عن الاختلاف في الحكم بين التحريم والكراهة، هناك تفاصيل وموانع مهمة تتصل بهذه المسألة:

* **رضا الزوجة:** يُعد رضا الزوجة عن أي فعل جنسي مع زوجها شرطاً أساسياً في الإسلام. وفي سياق إتيان الدبر، يصبح رضا الزوجة أمراً بالغ الأهمية. فإذا تم هذا الفعل دون رضاها، فإنه يعد تعدياً وظلماً، بغض النظر عن حكم الفعل نفسه.
* **الضرر:** إذا كان إتيان الدبر يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي للزوجة، فإن الشريعة تمنع كل ما يضر. وفي هذه الحالة، يصبح الفعل محرماً من باب الضرر.
* **النظافة والطهارة:** تُشدد الشريعة على أهمية النظافة والطهارة في العلاقة الزوجية. وينبغي على الزوجين الاهتمام بهذه الجوانب عند ممارسة أي شكل من أشكال الاستمتاع.

الخلاصة الفقهية والتطبيق العملي

في ضوء استعراض الآراء الفقهية، يمكن القول بأن الرأي السائد والمشهور بين الفقهاء الشيعة الإمامية هو **التحريم أو الكراهة الشديدة** لإتيان الزوجة من الدبر. وتستند هذه الآراء إلى مجموعة من الروايات والأدلة التي توجب الاحتياط في هذا الشأن.

من الناحية العملية، ينبغي على المسلم الشيعي الرجوع إلى رأي مرجعه الشرعي المقلد. ولكن بشكل عام، فإن الفهم العام للمذهب يميل إلى تجنب هذه الممارسة، مع التركيز على ما هو متفق عليه شرعاً من أشكال الاستمتاع بين الزوجين، وذلك سعياً لتحقيق السعادة الزوجية والالتزام بالأحكام الشرعية.

إن فهم هذه المسائل الفقهية لا ينبغي أن يكون سبباً للخلاف أو التوتر، بل هو سعي نحو فهم أعمق لأحكام الدين والتزام بها، مع الحفاظ على روح المودة والرحمة في العلاقة الزوجية.

اترك التعليق