الفرق بين صوت البرق والرعد

كتبت بواسطة هناء
نشرت بتاريخ : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 12:22 مساءً

البرق والرعد: سيمفونية السماء الصاخبة وفهم ظواهرها

عندما تعصف السماء بالغضب، وتتوشح بوهج كهربائي باهر، تتبعها هدةٌ مدويةٌ تهز الأركان، غالباً ما يتبادر إلى أذهاننا سؤال بسيط ولكنه عميق: ما الفرق بين صوت البرق وصوت الرعد؟ قد تبدو الظاهرتان وكأنهما متلازمتان، بل وربما يعتبرهما البعض وجهين لعملة واحدة. ولكن في حقيقة الأمر، هناك فرق جوهري بينهما، ينبع من طبيعة كل منهما وكيفية تشكلهما. إنها سيمفونية طبيعية ساحرة، تتطلب منا فهمًا دقيقًا لآلياتها لنستمتع بها ونقدرها حق قدرها.

البرق: الشرارة السماوية والرؤية المبهرة

لنبدأ بالبرق. البرق ليس صوتًا بحد ذاته، بل هو ظاهرة ضوئية. إنه التفريغ الكهربائي الهائل الذي يحدث بين السحب المشحونة كهربائيًا، أو بين السحابة والأرض. تخيل أن السحب أشبه بمكثفات عملاقة، حيث تتراكم الشحنات السالبة في الجزء السفلي منها والشحنات الموجبة في الجزء العلوي، أو تتجمع الشحنات في مناطق معينة. عندما يصبح الفرق في الجهد بين هذه المناطق كبيرًا جدًا، يتغلب على مقاومة الهواء، ويحدث التفريغ الكهربائي العنيف الذي نراه على شكل وميض ساطع، يضيء السماء لبرهة من الزمن.

أنواع البرق: تنوع في العرض البصري

لا يقتصر البرق على شكل واحد، بل يتجلى بأشكال مختلفة. هناك البرق داخل السحابة، وهو الأكثر شيوعًا، حيث يحدث التفريغ داخل نفس السحابة. وهناك البرق بين السحب، حيث تنتقل الشحنات بين سحابتين مختلفتين. أما النوع الأكثر إثارة وإثارة للخوف في بعض الأحيان، فهو البرق الخارجي أو برق السحابة إلى الأرض، وهو الذي يمثل الخطر الأكبر نظرًا لقوته التدميرية المحتملة.

الرعد: صدى القوة الكهربائية والصوت المدوي

إذا كان البرق هو الشرارة المرئية، فالرعد هو الصوت المصاحب لهذه الشرارة. الرعد ليس مجرد صوت عادي، بل هو نتيجة مباشرة للتفريغ الكهربائي الهائل للبرق. عندما يمر البرق عبر الهواء، فإنه يسخن الهواء المحيط به بشكل فوري وسريع جدًا، ليصل إلى درجات حرارة قد تصل إلى 30,000 درجة مئوية. هذا التسخين السريع يؤدي إلى تمدد هائل في الهواء المحيط بالبرق.

توسع الهواء والانفجار الصوتي

هذا التمدد المفاجئ للهواء أشبه بانفجار صغير، حيث يندفع الهواء للخارج بسرعة فائقة. هذا الاندفاع يخلق موجات صوتية تنتشر في جميع الاتجاهات. هذه الموجات الصوتية هي ما نسمعه على أنه رعد. طبيعة الصوت الذي نسمعه تعتمد على عدة عوامل، منها شدة البرق، والمسافة بيننا وبينه، وحتى طبيعة السحب التي تحيط به.

لماذا نسمع الرعد بعد رؤية البرق؟ سرعة الصوت والضوء

السؤال الأهم الذي يربط بين البرق والرعد هو: لماذا نسمع الرعد بعد رؤية البرق؟ الإجابة تكمن في الفرق الكبير بين سرعة الضوء وسرعة الصوت. الضوء يسير بسرعة هائلة جدًا، حوالي 300,000 كيلومتر في الثانية. أما الصوت، فعلى الرغم من أنه يبدو سريعًا لنا، إلا أنه يسير بسرعة أبطأ بكثير، حوالي 343 مترًا في الثانية في الظروف القياسية.

حساب المسافة: لعبة الزمن بين الضوء والصوت

هذا الفرق الشاسع في السرعة هو ما يجعلنا نرى البرق قبل سماع الرعد. عندما يحدث البرق، يصل ضوءه إلينا فورًا تقريبًا، بينما تستغرق موجات الصوت التي ينتجها الرعد وقتًا للوصول. كلما زادت المسافة بيننا وبين مصدر البرق، زاد الفارق الزمني بين رؤية البرق وسماع الرعد. يمكننا حتى استخدام هذا الفارق الزمني لتقدير المسافة التي يبعدها عنا البرق. قاعدة تقريبية شائعة هي قسمة عدد الثواني بين رؤية البرق وسماع الرعد على ثلاثة للحصول على المسافة بالكيلومترات (أو على خمسة للحصول عليها بالأميال). فإذا رأيت البرق ثم سمعت الرعد بعد 15 ثانية، فهذا يعني أن العاصفة تبعد عنك حوالي 5 كيلومترات.

الرعد: نغمات مختلفة وسيمفونية طبيعية

غالبًا ما نسمع الرعد بأشكال مختلفة: صوتٌ قصيرٌ ومدوٍ، أو صوتٌ ممتدٌ أشبه بالجرجرة، أو حتى صوتٌ يشبه الانفجار. هذه الاختلافات في طبيعة صوت الرعد تعتمد على عدة عوامل.

عوامل تؤثر على طبيعة صوت الرعد

أولاً، طبيعة مسار البرق. إذا كان البرق مستقيمًا وقصيرًا، فمن المرجح أن نسمع صوتًا حادًا وقصيرًا. أما إذا كان مسار البرق معقدًا ومتعرجًا، أو إذا كان البرق يمر عبر طبقات مختلفة من الهواء لها كثافات مختلفة، فقد نسمع صوتًا متقطعًا أو ممتدًا، أشبه بصدى يتلوى. ثانيًا، طبيعة التضاريس المحيطة. قد تؤثر المباني والجبال والغابات على كيفية انتشار موجات الصوت، مما يخلق صدى وتأثيرات صوتية مختلفة. وأخيرًا، المسافة تلعب دورًا. كلما ابتعد مصدر الرعد، كلما ضعف الصوت وتشتت، وقد نسمع فقط الأجزاء الأكثر شدة منه.

خاتمة: تقدير قوة الطبيعة

في الختام، يمكن القول إن البرق هو الشرارة المرئية، وهي التفريغ الكهربائي الذي يضيء السماء. أما الرعد، فهو الصوت المدوي الذي ينتج عن التسخين السريع والتمدد الهائل للهواء الذي يسببه البرق. إن فهم هذه العلاقة بين الظاهرتين لا يمنحنا فقط إجابة على سؤال شائع، بل يعمق تقديرنا لقوة وعظمة الظواهر الطبيعية من حولنا. إنها تذكير بأن السماء، في لحظات قوتها، تقدم عرضًا بصريًا وصوتيًا لا مثيل له، عرضًا يتطلب منا الاحترام والهدوء، وربما القليل من العلم لفهم أدق تفاصيله.

الأكثر بحث حول "الفرق بين صوت البرق والرعد"

اترك التعليق