إجهاض الجنين بسبب التشوه

كتبت بواسطة ياسر
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 9:16 صباحًا

الإجهاض بسبب التشوه الجنيني: قرار مؤلم في مواجهة الواقع الطبي

في خضم رحلة الحمل، التي تتسم عادةً بالأمل والفرح، قد تواجه بعض الأسر واقعاً قاسياً يتطلب اتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة. من بين هذه التحديات، يبرز موضوع إنهاء الحمل بسبب اكتشاف تشوهات جنينية. هذا القرار، الذي يترك أثراً نفسياً عميقاً على الوالدين، يثير تساؤلات أخلاقية واجتماعية وطبية معقدة، تتطلب فهماً شاملاً للأبعاد المختلفة للموقف.

فهم التشوهات الجنينية: طبيعتها وأسبابها

تُشير التشوهات الجنينية إلى تغيرات أو اختلالات في بنية أو وظيفة الجنين، قد تكون ظاهرة عند الولادة أو تظهر لاحقاً. تتنوع هذه التشوهات بشكل كبير، بدءاً من العيوب البسيطة التي قد لا تؤثر على حياة الطفل، وصولاً إلى التشوهات المعقدة والشديدة التي قد تهدد الحياة أو تؤدي إلى إعاقات دائمة.

يمكن أن تنجم التشوهات الجنينية عن مجموعة متنوعة من العوامل، والتي غالباً ما تتفاعل مع بعضها البعض. من أبرز هذه العوامل:

  • العوامل الوراثية: وتشمل الطفرات الجينية أو الاختلالات في عدد الكروموسومات، مثل متلازمة داون (التثلث الصبغي 21) أو متلازمة إدواردز (التثلث الصبغي 18).
  • العوامل البيئية: مثل التعرض لبعض الأدوية (كالثاليدوميد تاريخياً)، أو المواد الكيميائية، أو العدوى خلال فترة الحمل (مثل الفيروسات كالحصبة الألمانية أو الفيروس المضخم للخلايا)، أو التعرض للإشعاع.
  • العوامل المتعلقة بصحة الأم: مثل الإصابة بأمراض مزمنة غير مسيطر عليها كمرض السكري أو الصرع، أو نقص بعض الفيتامينات الهامة كحمض الفوليك.
  • أسباب غير معروفة: في بعض الحالات، قد لا يتمكن الأطباء من تحديد سبب دقيق للتشوه.

التشخيص المبكر: نافذة على الواقع

لعب التقدم الطبي دوراً حاسماً في تحسين قدرتنا على تشخيص التشوهات الجنينية في مراحل مبكرة من الحمل. تُعد الفحوصات الدورية والتصوير بالموجات فوق الصوتية (السونار) أدوات أساسية في الكشف عن علامات قد تشير إلى وجود مشكلة.

الفحوصات غير الغازية:

  • الفحص بالموجات فوق الصوتية: يُجرى في أوقات محددة من الحمل (عادةً في الثلث الأول والثاني) للكشف عن مؤشرات تشريحية غير طبيعية، مثل زيادة سمك القفا (nuchal translucency)، أو وجود عيوب في القلب أو الأطراف.
  • الفحوصات الدموية للأم: تقيس مستويات هرمونات معينة وبروتينات في دم الأم، والتي قد تتغير في حال وجود تشوهات جنينية.
  • اختبار الحمض النووي الحر (NIPT): يُعد من أحدث التقنيات، حيث يكشف عن أجزاء صغيرة من الحمض النووي للجنين الموجودة في دم الأم، مما يسمح بالكشف عن بعض الاضطرابات الكروموسومية الشائعة بدقة عالية.

الفحوصات الغازية:

تُجرى هذه الفحوصات عادةً عند وجود مؤشرات قوية في الفحوصات غير الغازية، أو في حال وجود تاريخ عائلي أو تقدم في عمر الأم. تتيح هذه الفحوصات الحصول على عينة من خلايا الجنين لتحليلها بشكل مباشر:

  • خزعة الزغابات المشيمية (CVS): تُؤخذ عينة من نسيج المشيمة، عادةً بين الأسبوع 10 و 13 من الحمل.
  • بزل السلى (Amniocentesis): تُؤخذ عينة من السائل الأمنيوسي المحيط بالجنين، عادةً بين الأسبوع 15 و 20 من الحمل.

قرار الإجهاض: عبء نفسي واجتماعي

عند تأكيد وجود تشوه جنيني خطير، قد تجد الأسر نفسها أمام خيار إنهاء الحمل. هذا القرار ليس سهلاً أبداً، فهو يتضمن مواجهة حقيقة مؤلمة، والتخلي عن آمال وأحلام كانت تُبنى على مدى شهور.

الدوافع وراء القرار:

  • تجنب معاناة الطفل: في كثير من الحالات، يكون الدافع الأساسي هو منع الطفل من العيش حياة مليئة بالألم والمعاناة بسبب التشوه الشديد.
  • القدرة على الرعاية: قد تكون بعض التشوهات شديدة لدرجة تجعل الطفل غير قادر على البقاء على قيد الحياة أو يتطلب رعاية طبية مستمرة وشاقة جداً، مما يضع عبئاً هائلاً على الأسرة.
  • الحالة الصحية للأم: في حالات نادرة، قد يشكل استمرار الحمل خطراً على حياة الأم نفسها.
  • الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية: على الرغم من أن هذه الاعتبارات لا يجب أن تكون المحرك الرئيسي، إلا أنها قد تلعب دوراً في تقييم قدرة الأسرة على التعامل مع متطلبات رعاية طفل ذي احتياجات خاصة.

التحديات النفسية والاجتماعية:

إن اتخاذ قرار الإجهاض، حتى في ظل الظروف الصعبة، يترك ندوباً نفسية عميقة. تواجه الأمهات غالباً مشاعر الذنب، الحزن، الاكتئاب، والشعور بالفقد. وقد يواجه الزوجان أيضاً ضغوطاً اجتماعية، أو أحكاماً مسبقة من المحيطين، مما يزيد من صعوبة المرور بهذه التجربة. الدعم النفسي والاجتماعي يصبح أمراً حيوياً لمساعدة الأسر على تجاوز هذه المحنة.

الآفاق المستقبلية: البحث والتطور

على الرغم من أن الإجهاض قد يكون الخيار المتاح في بعض الحالات، إلا أن الجهود البحثية مستمرة لتطوير علاجات للعديد من التشوهات الجنينية قبل الولادة أو بعدها. يفتح التقدم في مجال الهندسة الوراثية والطب التجديدي آفاقاً جديدة قد تساهم في تقليل الحاجة إلى مثل هذه القرارات الصعبة في المستقبل.

في الختام، يظل الإجهاض بسبب التشوه الجنيني موضوعاً شائكاً يتطلب حساسية وتعاطفاً. إنه يمثل تقاطعاً مؤلماً بين العلم والأخلاق، وبين الواقع والأمل، ويجب التعامل معه بفهم عميق لاحتياجات الأسرة وقدرتها على التحمل.

الأكثر بحث حول "إجهاض الجنين بسبب التشوه"

اترك التعليق