أدوات نصب الفعل المضارع

كتبت بواسطة هناء
نشرت بتاريخ : الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 10:10 مساءً

الفعل المضارع، ذلك الفعل الحيوي والدائم التغير في اللغة العربية، يتمتّع بمرونة ملحوظة تسمح له بالتعبير عن الحاضر والمستقبل، وأحيانًا عن الأنماط المتكررة. وإحدى أبرز سمات هذه المرونة تتجلى في قدرته على أن يأتي منصوباً، وهذه الظاهرة لا تحدث من فراغ، بل تستلزم وجود أدوات محددة تقوم بنصبه، مسبوقة به في الجملة. إن فهم هذه الأدوات وعملها يُعدّ مفتاحًا أساسيًا لإجادة قواعد اللغة العربية وإتقانها، وهو ما نسعى لاستكشافه بعمق في هذه المقالة.

مفهوم نصب الفعل المضارع

قبل الغوص في الأدوات التي تحدث هذا النصب، من الضروري فهم ماهيته. الفعل المضارع هو الفعل الذي يدل على حدث يقع في الزمن الحاضر أو المستقبل، ويُبدأ عادة بأحد حروف المضارعة (الهمزة، النون، الياء، التاء). عندما نتحدث عن نصب الفعل المضارع، فنحن نعني لحاقه بحركة الفتحة الظاهرة على آخره، وذلك عندما يكون مسبوقاً بأداة نصب معينة. هذا النصب يختلف عن حالة الرفع الأصلية للفعل المضارع، والتي تكون بالضمة – إلا إذا اتصلت به نون النسوة أو إحدى الضمائر المتصلة التي تجعله من الأفعال الخمسة.

العلامات الأصلية والفرعية لنصب الفعل المضارع

إن العلامة الأصلية لنصب الفعل المضارع هي الفتحة الظاهرة، مثل: لن أذهبَ إلى السوق غداً. ولكن، كما هو الحال في العديد من المواضع في اللغة العربية، هناك علامات فرعية لنصب الفعل المضارع، خصوصاً في حالات الأفعال الخمسة.

الأفعال الخمسة: هي كل فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة. وتُرفع هذه الأفعال بثبوت النون، وتنصب وتُجزم بحذف النون. مثال: الطالبان يجتهدانِ (مرفوع). لن يجتهدا (منصوب). أنتم تؤمنون (مرفوع). لن تؤمنوا (منصوب). أنتِ تدرسين (مرفوع). لن تدرسي (منصوب).

أدوات نصب الفعل المضارع

تنقسم أدوات نصب الفعل المضارع إلى قسمين رئيسيين: أدوات تنصب الفعل المضارع بنفسها (تسمى الحروف العاملة)، وأدوات أخرى تعمل بطريق غير مباشر أو يشترط فيها شروط معينة.

الحروف العاملة التي تنصب الفعل المضارع بنفسها

هذه الحروف هي الأكثر شيوعاً وتأثيراً مباشراً في نصب الفعل المضارع. وهي:

1. أنْ

تُعدّ أنْ حرفًا مصدريًا ونصبًا. وسميت مصدريًا لأنها تؤول مع الفعل المضارع بعدها بمصدر، أي بمعناه؛ ونصبًا لأنها تجعل الفعل المضارع بعدها منصوبًا.

أنْ المصدرية: تعمل أنْ على تحويل الجملة الفعلية إلى اسمية تقديرية، كما أنها تُستخدم في مواضع متعددة.

الاستعمالات الشائعة لـ أنْ:
للدلالة على المستقبل: أتوقع أنْ ينجحَ الطالب. (التأويل: أتوقع نجاح الطالب.)
بعد لام التعليل: اجتهدتُ لأنْ أحصلَ على أعلى الدرجات. (يُشترط أن تكون لام التعليل متصلة بالفعل أو مفصولة بـ أنْ).
بعد حتى: سأظل أتعلم حتى أتفوقَ. (إذا كانت حتى تفيد الاستقبال وتكون بمعنى إلى أنْ).
بعد لام الجحود: ما كانَ اللهُ ليُظلمَ الناسَ شيئاً. (يُشترط وجود ما كان أو ما في معناها لنصب الفعل المضارع بعدها بواسطة اللام).
في جواب الشرط الجازم: إنْ تدرسْ تنجحْ. (هنا فعل الشرط مجزوم وجواب الشرط مجزوم، ولكن إذا كان الجواب طلبًا أو بدأ بحرف نصب، فإن الفعل يُنصب).

2. لنْ

لنْ حرف نفي ونصب واستقبال. وظيفتها الأساسية هي نفي حدوث الفعل في المستقبل بشكل مؤكد.

خصائص لنْ:
النفي القاطع: تتميز لنْ بأنها تنفي الفعل نفياً مؤكداً، ولا يحتمل التأويل، بخلاف لم التي تفيد نفي الماضي. مثال: لن يكذبَ المؤمن. (نفي مؤكد في المستقبل).
عدم التأثر بالظروف: لا تحتاج لنْ إلى شرط معين لتعمل، فمجرد دخولها على الفعل المضارع ينصبه.
يفيد الاستقبال: لنْ تجعل الفعل المضارع يدل على المستقبل، على عكس لم التي تدل على الماضي.

3. كيْ

كيْ حرف نصب يشبه أنْ في معناه وعمله، وغالبًا ما تأتي بمعنى لكيْ أو حتى للدلالة على التعليل.

الاستعمالات:
للتعليل: اجتهدْ كيْ تنجحَ. (بمعنى: اجتهد لكي تنجح.)
مصدرية: مثل أنْ، تؤول مع الفعل بمصدر. أظهر حرصًا كيْ أنالَ رضاك. (أي: أريد نيل رضاك.)

4. لام التعليل

هي اللام التي تدخل على الفعل المضارع لبيان سبب وقوع الفعل الذي قبلها. وهي حرف نصب.

شروط عملها:
تسبق بجملة تدل على وقوع فعل: يجب أن يكون هناك فعل سبق بلام التعليل. ذهبتُ إلى المكتبة لأقرأَ كتابًا.
أن يكون ما بعدها سببًا لما قبلها: سبب ذهابي للمكتبة هو القراءة.
أن يكون ما بعدها مستقبلًا بالنسبة لما قبلها: أي أن القراءة ستكون بعد الذهاب.
أن تكون متصلة بالفعل أو مفصولة بـ أنْ:
متصلة: نحب الوطن لنحميهَ.
مفصولة بـ أنْ: حرصتُ لأنْ أرى النجاح.

5. لام الجحود

هي اللام التي تأتي بعد فعلٍ منفيٍّ بـ كان أو ما في معناها، وتهدف إلى تأكيد النفي.

شروط عملها:
أن تكون مسبوقة بـ كونٍ منفيٍّ: أي ما كان، لم يكن، ما كان ينبغي وما شابهها.
أن تدخل على فعل مضارع منصوب بها: ما كانَ الطالبُ ليكسلَ.
تؤدي معنى التأكيد في النفي: التأكيد على عدم إمكانية كسل الطالب.

6. حتى

تُستخدم حتى حرف جر، وأحيانًا تأتي بمعنى الجَمع أو الغَاية. عندما تأتي بمعنى الغاية وتفيد الاستقبال، فإنها تنصب الفعل المضارع.

شروط نصبها للفعل المضارع:
الدلالة على الغاية والاستقبال: سأظل أدعو الله حتى يستجيبَ. (أي: إلى أن يستجيب، وهو مستقبل).
أن يكون ما بعدها نتيجة أو غاية لما قبلها.

7. فاء السببية

تُربط بين سبب ونتيجة، وتشترط أن تسبق بطلب محض (أمر، نهي، دعاء، استفهام، تمني، عرض، تحضيض) أو نفي محض.

أمثلة:
بعد الأمر: اجتهدْ فَتنجحَ.
بعد النهي: لا تتكاسلْ فَتندمَ.
بعد الاستفهام: هل تذاكرْ فتنجحَ؟
بعد التمني: ليتَ الكمالَ فَتحققَ.
بعد النفي: ما قصرتُ فَأتوبَ. (النفي المحض)

8. واو المعية

تُشبه فاء السببية في الشروط، حيث تسبق بنفي محض أو طلب محض، وتدل على المصاحبة.

أمثلة:
بعد النفي: لا تأكلْ وتسرفَ. (أي: لا تأكل وتصاحب الإسراف في أكلك).
بعد الطلب (النهي): ما غبتُ وأحضرَka. (أي: ما غبتُ وصاحبتُ حضوري).

9. أداة الشرط (إنْ)

الأصل في إنْ أنها تجزم الفعل المضارع، ولكنها في بعض الأحيان قد تنصب الفعل المضارع إذا جاء جواب الشرط طلبًا أو اسمًا أو حرفًا نصب.

مثال: إنْ تدرسْ فتنجحَ. (جواب الشرط هنا الفاء المسبوقة بطلب، فالفعل المضارع تنجح منصوب.)

10. أمْ (المعادلة)

تأتي أم المعادلة في سياقات الاستفهامية، وتُشترط أن تسبق بهمزة استفهام.

مثال: أتفعلُ الخيرَ أمْ تُهملُهُ؟ (هنا تُهملُهُ فعل مضارع منصوب بمعادلته لـ تفعلُ التي هي فعل مرفوع، ولكنها تدخل في باب المقارنة).

أدوات تنصب بغير مباشر أو بشروط

هناك أدوات لا تنصب الفعل المضارع بنفسها، بل يكون النصب بعدها تابعًا لأدوات أخرى أو لشروط معينة.

إذا: الشرطية، سواء دخلت على اسم أو حرف أو فعل، إذا اقتُرن جواب الشرط بالفاء أو إذا الفجائية، ولم يكن الفعل المضارع مجزومًا، فإنه ينصب.
مثال: إذا سأتتِ السعادةُ فَظُنَّ الخيرَ. (فعل الأمر ظن هو جواب الشرط، والفعل المضارع سأتت مسبوق بـ إذا وعليه فإن الفعل المنصوب هنا مرتبط بالجواب).

أدوات التفصيل بين النصب والجزم

بعض الأدوات يمكن أن تأتي بمعنى واحد ولكن تختلف في حكم الفعل المضارع بعدها.

* متى، أين، أي، كيف، لو، لولا، لوما: هذه أدوات شرط جازمة، ولكن إذا وليتها ما الزائدة، مثل: متى ما، أينما، أيّما، كيفما، فإنها تحتمل النصب والجزم.

خلاصة

إن أدوات نصب الفعل المضارع هي مجموعة من الحروف التي تغير حالة الفعل المضارع من الرفع إلى النصب، مما يضفي على الجملة معاني جديدة من التأكيد، أو التعليل، أو النفي، أو الغاية. من أنْ المصدرية إلى لنْ النافية، مروراً بـ كيْ، ولامي التعليل والجحود، وصولاً إلى حتى وفاء السببية وواو المعية، كل أداة تحمل في طياتها وظيفة نحوية ودلالية مميزة. إن إتقان هذه الأدوات وفهم سياقات استخدامها هو خطوة جوهرية نحو التمكن من قواعد اللغة العربية، وتحسين القدرة على التعبير الدقيق الواضح، وإثراء الفهم للنصوص الأدبية والنحوية.

اترك التعليق