هل تاتي للقطط دورة شهرية

هل تمر القطط بدورة شهرية؟ فهم دورة التكاثر لدى إناث القطط

يُعد عالم القطط مليئًا بالأسرار والظواهر التي تثير فضول محبيها، ومن بين هذه الظواهر، يبرز سؤال شائع حول ما إذا كانت القطط تمر بدورة شهرية مشابهة لتلك التي تمر بها الإناث من البشر. للإجابة على هذا السؤال بشكل دقيق وشامل، يتوجب علينا الخوض في تفاصيل البيولوجيا التكاثرية للقطط، وفهم الآليات الهرمونية والجسمانية التي تحكم سلوكها ودوراتها.

فهم “الدورة الشهرية” لدى القطط: المصطلحات الصحيحة

من الناحية العلمية الدقيقة، فإن مصطلح “الدورة الشهرية” كما نعرفه في البشر، والذي يتضمن نزيفًا شهريًا ناتجًا عن تهيئة بطانة الرحم للحمل وفقدانها عند عدم حدوثه، لا ينطبق بشكل مباشر على القطط. بدلاً من ذلك، تمتلك القطط ما يُعرف بـ “دورة الشبق” أو “فترة التزاوج” (Estrus Cycle). هذه الدورة هي الفترة التي تكون فيها الأنثى مستعدة للتكاثر وتقبل الذكور.

مراحل دورة شبق القطة

تمر دورة شبق القطة بعدة مراحل، وتختلف مدتها وتكرارها بناءً على عوامل مثل العمر، السلالة، والبيئة المحيطة. يمكن تقسيم هذه المراحل إلى:

مرحلة ما قبل الشبق (Proestrus)

تُعد هذه المرحلة هي البداية الاستعدادية لدورة التكاثر. في هذه المرحلة، تبدأ المبايض في إنتاج هرمون الإستروجين، مما يؤدي إلى تغيرات في الجهاز التناسلي للقطة. قد تلاحظ علامات سلوكية خفيفة مثل زيادة في المواء، أو محاولة لجذب الذكور، لكنها لا تكون مستعدة للتزاوج بعد. قد يحدث تورم خفيف في الأعضاء التناسلية الخارجية، لكن النزيف غير شائع في هذه المرحلة، وإذا حدث، فهو عادة ما يكون طفيفًا جدًا وغير ملحوظ.

مرحلة الشبق (Estrus): ذروة الاستعداد للتكاثر

هذه هي المرحلة الأهم والأكثر وضوحًا في دورة التكاثر. خلال فترة الشبق، تكون القطة في أقصى درجات استعدادها للتزاوج. تستمر هذه المرحلة عادةً لمدة تتراوح بين 3 إلى 14 يومًا، وقد تتكرر كل أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع إذا لم يحدث حمل.

علامات سلوكية واضحة خلال فترة الشبق:

* **زيادة ملحوظة في المواء:** قد تصبح القطة أكثر صخبًا، وتصدر أصواتًا عالية ومستمرة لجذب الذكور.
* **السلوك المغري:** تميل القطة إلى التدحرج على الأرض، ورفع مؤخرتها، وفرك جسمها بالأثاث والأشخاص.
* **التبول المتكرر:** قد تقوم بوضع علامات ببولها في أماكن مختلفة، وهي طريقة للتواصل مع الذكور وإعلامهم بحالتها.
* **العدوانية تجاه القطط الأخرى (غير المتزاوجة):** قد تصبح عدوانية تجاه القطط الإناث الأخرى.
* **التقبل للذكور:** وهي العلامة الأبرز، حيث تصبح القطة مستعدة للتزاوج وقبول الذكور.

مرحلة ما بعد الشبق (Metestrus)

إذا حدث التزاوج، تبدأ مرحلة ما بعد الشبق، حيث تبدأ مستويات هرمون البروجسترون في الارتفاع. إذا لم يحدث التزاوج، فإن القطة تعود إلى مرحلة الراحة.

مرحلة عدم الشبق (Anestrus): فترة الراحة

هذه هي الفترة التي تكون فيها القطة غير نشطة جنسيًا. تستمر هذه الفترة عادةً خلال فصل الشتاء، خاصة في البيئات التي تتأثر بالضوء الطبيعي، حيث تقل ساعات النهار. خلال هذه الفترة، تكون المبايض غير نشطة، وتتوقف التغيرات الهرمونية المتعلقة بالتكاثر.

تكرار دورات الشبق: العوامل المؤثرة

تعتمد تكرار دورات الشبق على عدة عوامل:

* **الضوء:** القطط حيوانات “نهارية موسمية” (seasonally polyestrous)، مما يعني أن دورات الشبق لديها ترتبط بساعات النهار. تزداد دورات الشبق في الأيام الأطول (الربيع والصيف)، وتقل في الأيام الأقصر (الخريف والشتاء).
* **درجة الحرارة:** تلعب درجة الحرارة المحيطة دورًا أيضًا، حيث قد تؤثر الظروف الباردة أو الحارة بشكل مفرط على نشاط الإنجاب.
* **العمر:** تبدأ القطط عادةً في الدخول في دورات الشبق عند بلوغها مرحلة النضج الجنسي، والتي تتراوح عادةً بين 4 إلى 10 أشهر، ولكن هذا يختلف حسب السلالة.
* **الصحة العامة:** القطة السليمة جسديًا تكون أكثر عرضة للدخول في دورات الشبق.

لماذا لا توجد “دورة شهرية” بالمعنى البشري؟

الفرق الأساسي يكمن في آلية الإباضة. البشر هم من “المبيدات الدورية” (induced ovulators)؛ أي أن الإباضة تحدث بشكل دوري بغض النظر عما إذا كان هناك تزاوج أم لا. بينما القطط هي من “المبيدات المستحثة” (spontaneous ovulators)، بمعنى أن الإباضة تحدث فقط استجابة لعملية التزاوج نفسها. هذا يعني أنه لا يوجد تهيئة مستمرة لبطانة الرحم ثم فقدانها، وبالتالي لا يحدث النزيف الذي يميز الدورة الشهرية البشرية.

آثار عدم الإخصاب على جسم القطة

في حالة عدم حدوث حمل بعد فترة الشبق، لا يحدث نزيف كبير. بدلاً من ذلك، تعود الهرمونات إلى مستوياتها الطبيعية، وتدخل القطة في فترة راحة قبل أن تبدأ دورة شبق جديدة. قد تلاحظ بعض الإناث تغيرات طفيفة في سلوكهن بعد فترة الشبق، ولكنها لا تقارن بالنزيف أو التغيرات الجسدية الشديدة التي قد تصاحب الدورة الشهرية لدى البشر.

التكاثر غير المرغوب فيه: أهمية التعقيم

من المهم جدًا لمربي القطط أن يكونوا على دراية بدورة شبق القطط، خاصة إذا لم تكن القطة مخصصة للتكاثر. يمكن أن تؤدي دورات الشبق المتكررة إلى ضغوط سلوكية على القطة، وقد تزيد من خطر الإصابة ببعض الأمراض التناسلية إذا لم يحدث حمل.

التعقيم (الإخصاء للإناث) هو إجراء جراحي بسيط يزيل المبايض والرحم، ويمنع القطة من الدخول في دورات الشبق، وبالتالي يجنبها المشاكل المرتبطة بالتكاثر غير المرغوب فيه، ويقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي والتهابات الرحم.

الخلاصة: فهم دورة حياة القطة

في الختام، يمكن القول بأن القطط لا تمر بدورة شهرية بالمعنى البشري المتعارف عليه، والذي يتضمن نزيفًا شهريًا. بدلاً من ذلك، تمر القطط بدورة شبق دورية تهدف إلى تهيئة جسمها للتكاثر. فهم هذه الدورات، وعلاماتها، والعوامل المؤثرة عليها، هو أمر ضروري لأي مالك قطة يهتم بصحة وسعادة حيوانه الأليف.