هل الزواج مكتوب باللوح المحفوظ

كتبت بواسطة ياسر
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 10:18 صباحًا

هل الزواج مقدّرٌ في اللوح المحفوظ؟ رحلة بين الاعتقاد والإرادة

يُعدّ الزواج، بكل ما يحمله من معانٍ عميقة ورباط مقدس، من أكثر القضايا التي شغلت الفكر الإنساني عبر العصور. ومن بين الأسئلة الجوهرية التي تطرح نفسها بإلحاح حول هذا الارتباط، يبرز سؤالٌ قديمٌ قدم التاريخ: هل الزواج مكتوبٌ في اللوح المحفوظ، أم أنه نتيجةٌ للإرادة البشرية وقراراتنا الحرة؟ هذا السؤال لا يقتصر على كونه مجرد تساؤلٍ لاهوتي أو فلسفي، بل يمتد ليلامس أعمق جوانب حياتنا، مؤثرًا في نظرتنا للحب، والالتزام، ومسؤوليات الحياة الزوجية، وحتى في طريقة تعاملنا مع تحدياتها.

مفهوم اللوح المحفوظ: بين الثبات والتغيير

تُشير فكرة “اللوح المحفوظ” في الثقافة الدينية والروحانية إلى سجلٍ إلهيٍّ شاملٍ ومُحكمٍ يحتوي على كل ما هو كائنٌ وما سيكون. يُنظر إليه على أنه تجسيدٌ للمعرفة الإلهية المطلقة التي أحاطت بكل شيء قبل خلق السماوات والأرض. في هذا الإطار، تُطرح مسألة الزواج كجزءٍ من هذا المخطط الإلهي الأزلي. فهل تمّ تسجيل أسماء الأزواج والشريكات، وتوقيت لقائهم، ومسار علاقتهما، قبل أن تطأ أقدامهم الأرض؟

إنّ الإيمان بأنّ الزواج مكتوبٌ في اللوح المحفوظ يحمل في طياته شعورًا بالراحة والطمأنينة للكثيرين. فهو يوحي بأنّ هناك تدبيرًا إلهيًا وراء كل ارتباط، وأنّ الشريك الذي نقترن به هو “الشريك المناسب” الذي خُطط له أن يكون معنا. هذا الاعتقاد قد يُخفف من وطأة الضغوط والقلق المصاحب لعملية البحث عن شريك الحياة، ويُعزز الثقة بأنّ الأمور ستسير في نصابها الصحيح. كما أنه قد يمنح الزوجين قوةً وصبرًا أكبر لتجاوز الصعاب، مدركين أن ما يمران به هو جزءٌ من قضاءٍ مُدبرٍ له حكمةٌ بالغة.

الإرادة البشرية ودورها في تشكيل المصير الزوجي

على الجانب الآخر، يرى الكثيرون أن الإيمان المطلق بأنّ كل شيء مكتوبٌ قد يُقلل من شأن دور الإرادة البشرية والاختيار الحر. فإذا كان كل شيء قد حُسم سلفًا، فما جدوى سعينا، وما قيمة قراراتنا؟ هل نحن مجرد دمى تُحركها خيوط القدر، أم فاعلون مختارون في مسرح الحياة؟

في سياق الزواج، يُمكن تفسير هذا الرأي على أنّ اللوح المحفوظ قد يحدد “إمكانية” الارتباط أو “القدرة” على ذلك، ولكنه لا يُملي التفاصيل الدقيقة أو يفرض الاختيارات. بمعنى آخر، قد يكون اللوح المحفوظ قد سجل أنّ شخصين معينين “يمكن” أن يكونا زوجين، ولكنّ القرار النهائي بالارتباط، وكيفية سير هذه العلاقة، وتطويرها، يعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على خياراتهم، وجهودهم، وإرادتهم الحرة.

هذا الرأي لا يتعارض بالضرورة مع الاعتقاد باللوح المحفوظ، بل يُكمل الصورة. يمكن النظر إلى اللوح المحفوظ على أنه “الخارطة الكبرى” التي تحدد المسارات المحتملة، بينما تكون الإرادة البشرية هي “السائق” الذي يختار الطريق الذي سيسلكه، ويُقرر سرعته، ويتجاوز العقبات. فالشخص الذي يسعى للزواج، ويُحسن اختيار شريكه، ويبذل جهدًا في بناء علاقة صحية، هو بذلك يُفعل جزءًا من قدره ويسهم في تحقيق ما قد يكون مُسجلًا له.

التوازن بين الاعتقاد والعمل: مفتاح السعادة الزوجية

إنّ البحث عن التوازن بين الإيمان بالقدر والاعتقاد باللوح المحفوظ، وبين الاعتراف بأهمية الإرادة البشرية والمسؤولية الفردية، هو مفتاحٌ لفهمٍ أعمق وأكثر نضجًا لمفهوم الزواج. فالإفراط في الاعتقاد بالقدر قد يؤدي إلى السلبية وعدم المبادرة، بينما الإفراط في الاعتقاد بالإرادة الحرة المطلقة قد يُفقد الزواج بعده الروحاني والتعلق بالتدبير الإلهي.

تأثير المعتقد على السلوك الزوجي

يُمكن ملاحظة تأثير هذا الاعتقاد على السلوك الزوجي في عدة جوانب. فالزوجان اللذان يؤمنان بأنّ زواجهما مكتوبٌ في اللوح المحفوظ قد يتعاملان مع الخلافات بشكلٍ مختلف. قد يريان في هذه الخلافات اختبارًا لصبرهما وقوة تحملهما، وفرصةً لتقوية رباطهما، بدلًا من اعتبارها نهاية المطاف. كما قد يشعران بمسؤولية أكبر تجاه الحفاظ على هذا الارتباط، مدركين أنه ليس مجرد اختيارٍ عابر، بل هو قرارٌ له أبعادٌ أعمق.

من ناحية أخرى، فإنّ الزوجين اللذين يركزان على دورهما الفاعل في بناء زواج ناجح، سيبذلان جهدًا أكبر في التواصل، وفهم احتياجات بعضهما البعض، وحل المشكلات بشكلٍ بناء. قد لا يشغلهم السؤال حول ما إذا كان زواجهما مكتوبًا أم لا، بقدر ما يشغلهم كيف يمكن لهما أن يجعلا هذا الزواج أفضل.

الزواج كرحلة مشتركة: بين المعطى الإلهي والجهد البشري

في نهاية المطاف، يمكن اعتبار الزواج رحلةٌ مشتركةٌ تتداخل فيها المعطيات الإلهية مع الجهود البشرية. قد يحدد اللوح المحفوظ “إمكانية” لقاء بين روحين، أو “توجيهًا” عامًا لمسارهما، ولكنّ كيفية بناء هذا الارتباط، عمق الحب فيه، صلابة الالتزام، والنجاح في تجاوز تحدياته، كل ذلك يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على اختيارات الزوجين، وتضحياتهما، وحكمتهما، وعملهما الدؤوب.

إنّ الإيمان بأنّ الزواج مكتوبٌ في اللوح المحفوظ لا يعني الاستسلام للقدر، بل هو إيمانٌ بثقةٍ في حكمة الخالق وتدبيره. وهو بالتزامن مع إدراكنا لدورنا الفاعل وإرادتنا الحرة، يُشكل مزيجًا متكاملًا يُمكن أن يقود إلى زواجٍ سعيدٍ ومستقر، زواجٍ يُبنى على أسسٍ متينةٍ من الحب، والاحترام، والتفاهم، وبإذن الله، بالتوفيق والتسديد من رب السماء.

اترك التعليق