كيف أعرف نمط شخصيتي

كتبت بواسطة هناء
نشرت بتاريخ : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 2:20 صباحًا

كيف تكتشف نمط شخصيتك: رحلة نحو فهم الذات العميق

مقدمة: لماذا يُعد فهم الذات ضرورة لا غنى عنها؟

في خضم تسارع وتيرة الحياة المعاصرة، حيث تتلاحق الأحداث وتتزايد المتطلبات، يصبح السعي نحو فهم أعمق للذات ليس مجرد رفاهية فكرية، بل هو ضرورة ملحة لتجاوز التحديات وتحقيق التوازن. إن معرفة نمط شخصيتنا بمثابة بوصلة داخلية ترشدنا في رحلتنا الحياتية، وتساعدنا على استكشاف مكنوناتنا الخفية، وكشف دوافعنا الكامنة، وإدراك نقاط قوتنا الفريدة، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى صقل وتطوير. هذه المعرفة ليست مجرد فضول عابر، بل هي أداة فعالة وقوية يمكنها الارتقاء بجودة علاقاتنا الإنسانية، وتعزيز أدائنا في مختلف بيئات العمل، والمساهمة في توجيه قراراتنا الحياتية المصيرية نحو مسارات أكثر انسجاماً مع جوهرنا الحقيقي. في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذا الموضوع الشيق، مستعينين بتقنيات البرمجة العصبية اللغوية (NLP) كأداة فعالة، وسنقدم اختباراً مبسطاً وعملياً يهدف إلى مساعدتك في تحديد ما إذا كان نمط إدراكك للعالم يغلب عليه الطابع البصري، أم السمعي، أم الحسي.

البرمجة العصبية اللغوية: نافذة على أنماط الإدراك البشري

تُعد البرمجة العصبية اللغوية (NLP) مجالاً علمياً عملياً مثيراً للاهتمام، يفتح لنا آفاقاً واسعة لفهم الأنماط السلوكية المعقدة، وآليات التفكير التي تشكل واقعنا، والبرامج العقلية التي نكتسبها ونطورها عبر مسيرة حياتنا. ترتكز هذه المقاربة على فكرة جوهرية مفادها أن طريقة معالجتنا للمعلومات، وتفاعلنا مع محيطنا، وتصورنا للعالم، تتشكل بناءً على أنماط إدراكية محددة ومفضلة. هذه الأنماط، والتي غالباً ما ترتبط بأساليب الذاكرة والتذكر، يمكن تصنيفها بشكل رئيسي إلى ثلاثة أنواع أساسية: البصري، والسمعي، والحسي (أو الحركي). كل نمط من هذه الأنماط له خصائصه الفريدة، وتأثيره العميق على طريقة تفكيرنا، وتواصلنا مع الآخرين، وحتى على أسلوبنا في اتخاذ القرارات. إن فهم هذه الأنماط هو الخطوة الأولى نحو إدراك أعمق لأنفسنا، ولماذا نتصرف ونتفاعل بالطريقة التي نفعلها، وكذلك فهم أسباب سلوكيات وتفضيلات الآخرين.

كيفية اكتشاف نمط شخصيتك: اختبار عملي ومباشر

لتحديد نمط شخصيتك الإدراكي، ندعوك للانخراط في هذا الاختبار التفاعلي والمبسط. المطلوب منك هو ملاحظة ردود أفعالك الطبيعية وتفضيلاتك دون تفكير مفرط، وذلك في المواقف المختلفة التي سنعرضها عليك. اختر الإجابة التي تعكس استجابتك الأولى والأكثر تلقائية. سجل اختياراتك بعناية، فالنتائج ستكشف لك عن نمطك الإدراكي الأساسي وتوجهاتك الفكرية.

الاختبار: اكتشف نمطك الإدراكي اليوم

1. عندما تفكر في شراء كتاب جديد:
* أ. يلفت انتباهك فوراً تصميم الغلاف الخارجي، ألوانه، وجمالياته البصرية.
* ب. يهمك أكثر قراءة الملخص أو استعراض محتوى الكتاب، أو سماع رأي أحدهم عنه.
* ج. تفضل أن تشعر بملمس الورق وجودته، وربما تتأمل وزن الكتاب، وتتخيل كيف سيبدو بين يديك.

2. عندما تسمع عن فكرة جديدة أو مفهوم مبتكر:
* أ. تبدأ فوراً في تخيل صورة ذهنية واضحة للفكرة، أو مشهد يجسدها.
* ب. تميل إلى مناقشة الفكرة مع الآخرين، وتبادل وجهات النظر، وسماع آراء متنوعة.
* ج. تفضل استشعار طبيعة الفكرة، وتأثيرها العاطفي أو العملي عليك، وكيف ستشعر عند تطبيقها.

3. عند مواجهة تحدٍ أو مشكلة تتطلب حلاً:
* أ. ترى بوضوح جميع أبعاد المشكلة والجوانب المختلفة لها، وكأنك تشاهد مخططاً.
* ب. تبحث عن حلول من خلال الاستماع إلى آراء الآخرين، وتبادل الأفكار، وتحليل الخيارات المتاحة.
* ج. تسمح لمشاعرك الداخلية وحدسك بقيادتك نحو الحل، وتشعر بما هو “صحيح” بشكل غريزي.

4. خلال اجتماع عمل أو نقاش جماعي:
* أ. تراقب لغة الجسد وتعبيرات الوجه لدى الآخرين، وتلاحظ التفاصيل البصرية قبل أن تبدي رأيك.
* ب. تستمع بعناية فائقة لجميع الآراء المطروحة، وتزن الكلمات قبل أن تشارك بوجهة نظرك.
* ج. تهتم بالتعبير عن مشاعرك تجاه الموضوع المطروح، وتتأثر بالتناغم أو التوتر في الجو العام.

5. عندما تحتاج إلى الحصول على معلومات حول موضوع معين:
* أ. تفضل البحث في الدراسات السابقة، والمقالات المصورة، والمصادر المرئية الغنية بالرسوم البيانية.
* ب. تستمع بتركيز شديد لآراء الخبراء، والمحاضرين، وتفضل الشرح المفصل.
* ج. تسعى للتواصل المباشر مع الخبراء وطرح الأسئلة عليهم، وتحب أن تشعر بالتفاعل المباشر.

6. عندما يكون لديك اختلاف في الرأي مع شخص آخر:
* أ. تركز على تقديم حججك ووجهة نظرك بوضوح، وتستخدم لغة بصرية قوية.
* ب. تكون مستمعاً جيداً لمحاولة فهم وجهة نظره، وتحليل كلماته ومنطقه.
* ج. تركز على كيف تشعر حيال الموقف، وكيف يؤثر هذا الاختلاف على علاقتكما.

7. عند حضور محاضرة أو ندوة:
* أ. تجذبك الشرائح البصرية، الرسوم البيانية، مقاطع الفيديو، أو أي مشاهدات بصرية أخرى.
* ب. تستمع بتركيز شديد لكلام المحاضر، وتستمتع بالشرح التفصيلي.
* ج. تقيّم الأفكار بناءً على المشاعر التي تثيرها فيك، ومدى ملاءمتها لتجربتك الشخصية.

8. في علاقاتك الإنسانية، غالباً ما تنجذب إلى:
* أ. الأشخاص الذين يتمتعون بمظهر أنيق وجذاب، وقدرة على التعبير بصرياً.
* ب. الأشخاص الذين يقدمون لك الدعم المعنوي، والنصائح المفيدة، والحوار الهادف.
* ج. الأشخاص الذين تشعر معهم بالدفء، والأمان، والراحة الجسدية والعاطفية.

9. عند التفكير في شراء سيارة جديدة:
* أ. تهتم بالتصميم الخارجي، الألوان، والشكل العام، والكماليات المرئية.
* ب. تركز على ميزات الأداء، كفاءة المحرك، التقنيات المدمجة، وكيف تعمل السيارة.
* ج. أهم ما يهمك هو تجربة القيادة، والشعور بالراحة والأمان أثناء القيادة، وكيف تشعر وأنت خلف المقود.

10. عند السفر بالطائرة، تفضل:
* أ. مقعد النافذة لمشاهدة المنظر الخارجي المتغير باستمرار.
* ب. مقعد في المنتصف أو بالقرب من الممر لتسهيل الحركة، والاستماع لما يدور حولك.
* ج. مقعد يوفر لك أكبر قدر من الراحة الجسدية، والشعور بالاسترخاء.

تحليل النتائج: كشف نمطك الإدراكي بوضوح

بعد إتمام الاختبار، قم بجمع عدد المرات التي اخترت فيها كل حرف (أ، ب، ج). الحرف الذي حصل على أعلى نسبة من اختياراتك هو الذي يشير إلى نمط شخصيتك الإدراكي الغالب، والذي يحدد الطريقة الأساسية التي تتفاعل بها مع العالم من حولك.

* إذا كانت غالبية اختياراتك تحمل الحرف “أ”: فأنت غالباً شخص **بصري**.
* إذا كانت غالبية اختياراتك تحمل الحرف “ب”: فأنت غالباً شخص **سمعي**.
* إذا كانت غالبية اختياراتك تحمل الحرف “ج”: فأنت غالباً شخص **حسي (أو حركي)**.

شرح مفصل لأنماط الشخصية الإدراكية

الشخص البصري (Visual Perceiver)

إذا كنت بصرياً، فإن عالمك يُبنى بشكل أساسي على ما تراه وتلاحظه. تعتمد بشكل كبير على حاسة البصر في معالجة المعلومات وإدراك العالم من حولك. غالباً ما تفكر بالصور الذهنية، وتتذكر الأماكن والأشخاص من خلال مظهرهم. تتميز بسرعة الحركة والتحدث، وقد تبدو أحياناً متسرعاً في اتخاذ القرارات، لكن هذه السرعة غالباً ما تكون مصحوبة بقدرة فائقة على الملاحظة والتخيل، مما يساعدك على رؤية النتائج المستقبلية والمسارات المحتملة بشكل واضح. تستخدم كلمات وعبارات مثل “أرى”، “أتخيل”، “واضح”، “صورة”، “منظر”، “لامع”.

الشخص السمعي (Auditory Perceiver)

الأشخاص السمعيون يعتمدون بشكل أساسي على حاسة السمع في فهم العالم. أنت تستمع جيداً، وتتذكر المعلومات من خلال الأصوات، الكلمات، والنقاشات. غالباً ما تختار كلماتك بعناية عند التحدث، وتفضل النقاش والحوار لفهم الأمور بشكل أعمق. قد تكون أكثر توازناً في اتخاذ قراراتك، حيث تميل إلى تحليل الأمور منطقياً وتقييمها سمعياً. ومع ذلك، قد تواجه بعض التردد في المواقف الضاغطة أو عند الحاجة لاتخاذ قرارات سريعة جداً، مما قد يتطلب منك وقتاً إضافياً لمعالجة المعلومات. تستخدم عبارات مثل “أسمع”، “أتحدث”، “ماذا يقول؟”، “منسجم”، “صوت”، “نغمة”.

الشخص الحسي (Kinesthetic Perceiver)

إذا كنت حسيّاً، فإن تجربتك للعالم تتشكل من خلال المشاعر، الأحاسيس الجسدية، والتفاعل العملي المباشر. أنت تعيش وتتفاعل مع الأشياء من خلال اللمس، الحركة، والشعور. تعبر عن نفسك غالباً من خلال مشاعرك، وتستخدمها كمرشد أساسي في اتخاذ قراراتك. تتميز بقدرتك على التفاعل العاطفي والعملي مع الأحداث، وتميل إلى التعلم بالممارسة والتجربة المباشرة. ومع ذلك، قد تحتاج إلى الانتباه لعدم اتخاذ قرارات متسرعة بناءً على الانفعالات اللحظية، والسعي لتحقيق توازن بين الشعور والفكر. تستخدم كلمات مثل “أشعر”، “ألمس”، “أتحرك”، “دافئ”، “ثقيل”، “صلب”، “مريح”.

الميزات والعيوب: فهم أعمق لكل نمط

لا يوجد نمط شخصية “أفضل” من الآخر، فلكل نمط مزاياه الفريدة التي تميزه، وكذلك بعض التحديات التي قد يواجهها. فهم هذه الجوانب يساعدنا على تقدير تنوع الأنماط البشري، وتطوير استراتيجيات فعالة للتغلب على نقاط الضعف وتعزيز نقاط القوة الكامنة في كل نمط.

* الشخص البصري:
* الميزات: قدرة استثنائية على التصور السريع للأفكار، سرعة البديهة، رؤية الصورة الكبيرة، والتخطيط البصري الفعال. يمتلك غالباً رؤية واضحة للمستقبل.
* العيوب: قد يميل إلى التهور في اتخاذ القرارات إذا لم تكن واضحة بصرياً، وقد يفتقد أحياناً للتفاصيل الدقيقة إذا لم يتم تقديمها بشكل مرئي.

* الشخص السمعي:
* الميزات: مهارات استماع ممتازة، قدرة على التحليل المنطقي، التفكير المنظم، والتواصل اللفظي الفعال. يجيد فهم العلاقات بين المفاهيم.
* العيوب: قد يواجه صعوبة في اتخاذ قرارات سريعة تحت الضغط، وقد يعتمد بشكل كبير على الشرح اللفظي، مما قد يجعله أقل حساسية للتفاصيل غير اللفظية أو المشاعر الجسدية.

* الشخص الحسي:
* الميزات: تفاعل قوي مع الواقع، قدرة على التعلم بالممارسة، تعاطف عميق، ونهج عملي في التعامل مع المهام. يشعر بعمق ويتواصل بصدق.
* العيوب: قد تتأثر قراراته بشكل كبير بالمشاعر اللحظية، وقد يحتاج إلى تحفيز جسدي أو حركي لفهم المفاهيم المجردة.

خاتمة: قوة الوعي بالذات في تشكيل المستقبل

إن رحلة اكتشاف نمط شخصيتك هي خطوة جوهرية نحو فهم أعمق وأكثر شمولاً للذات. سواء كنت بصرياً، سمعياً، أو حسيّاً، فإن هذا الوعي يمنحك القدرة على تحسين تفاعلاتك مع العالم من حولك بشكل ملحوظ. ستصبح أكثر قدرة على فهم دوافع الآخرين، وتكييف أسلوب تواصلك ليناسبهم، وتجنب سوء الفهم الذي قد ينشأ عن اختلاف الأنماط. كما ستمكّنك هذه المعرفة من تطوير استراتيجيات تعلم وعمل أكثر فعالية، واختيار المسارات المهنية والشخصية التي تتوافق بشكل طبيعي مع جوهرك وتمنحك الرضا. استخدم هذا الفهم كمنصة قوية للانطلاق نحو تطوير ذاتك، وتعزيز علاقاتك، وتحقيق المزيد من النجاح والسعادة المستدامة في جميع جوانب حياتك.

اترك التعليق