كم هي فترة النفاس عند المرأة

كتبت بواسطة نجلاء
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 12:41 مساءً

فترة النفاس: رحلة التعافي والتكيف بعد الولادة

تُعد فترة النفاس، أو ما يُعرف أيضًا بـ “النفاس”، مرحلة حاسمة في حياة المرأة بعد الولادة. إنها فترة جسدية ونفسية فريدة، تتسم بالتعافي والتكيف التدريجي مع التغيرات الهائلة التي طرأت على جسدها وحياتها. وعلى الرغم من أن الغرض الأساسي من هذه الفترة هو استعادة الجسم لوضعه الطبيعي قبل الحمل، إلا أنها تشمل أيضًا جوانب عاطفية واجتماعية لا تقل أهمية.

ما هي فترة النفاس؟

فترة النفاس هي المدة الزمنية التي تبدأ بعد الولادة مباشرة وتستمر حتى تعود أعضاء جسم المرأة إلى حالتها الطبيعية تقريبًا، وتشمل عادةً فترة تتراوح بين أربعة إلى ستة أسابيع. ومع ذلك، فإن هذه المدة ليست ثابتة، بل قد تختلف من امرأة لأخرى بناءً على عدة عوامل تشمل طبيعة الولادة (طبيعية أم قيصرية)، وصحة الأم، وتجربتها الشخصية. خلال هذه الفترة، يخضع الجسم لعملية ترميم وإصلاح مكثفة، بدءًا من التغيرات في الرحم وصولًا إلى مستويات الهرمونات.

التغيرات الفسيولوجية خلال فترة النفاس

تخضع الأم بعد الولادة لسلسلة من التغيرات الفسيولوجية التي تهدف إلى استعادة التوازن الداخلي.

* **الرحم وعملية الانكماش (Involution):** يُعد انكماش الرحم من أبرز التغيرات. فبعد أن كان الرحم بحجم البطيخة خلال الحمل، يبدأ بالانكماش تدريجيًا ليعود إلى حجمه الطبيعي. هذا الانكماش يتم عبر انقباضات قوية، قد تشعر بها الأم على شكل تقلصات شبيهة بآلام الدورة الشهرية، وتُعرف هذه التقلصات بـ “تقلصات ما بعد الولادة”. يتم هذا الانكماش بمساعدة هرمون الأوكسيتوسين، الذي يفرزه الجسم بشكل طبيعي، خاصة عند الرضاعة الطبيعية.

* **النزيف النفاسي (Lochia):** بعد الولادة، يحدث نزيف من المهبل، يُعرف بالنزيف النفاسي. يختلف هذا النزيف في لونه وكثافته مع مرور الوقت. يبدأ عادةً بلون أحمر فاتح وغزير في الأيام القليلة الأولى، ثم يتحول تدريجيًا إلى لون وردي أو بني، ويصبح أقل كثافة، وينتهي غالبًا بعد حوالي 4-6 أسابيع. من المهم جدًا مراقبة هذا النزيف، وأي تغيرات مفاجئة أو غزيرة جدًا قد تستدعي استشارة طبية.

* **التغيرات الهرمونية:** تشهد مستويات الهرمونات في جسم المرأة تقلبات كبيرة بعد الولادة. ينخفض مستوى هرمونات الحمل مثل الإستروجين والبروجسترون بشكل كبير، بينما تبدأ هرمونات أخرى مثل البرولاكتين (المسؤولة عن إنتاج الحليب) بالارتفاع، خاصة مع الرضاعة الطبيعية. هذه التغيرات الهرمونية لها تأثير مباشر على الحالة المزاجية والطاقة الجسدية للأم.

* **التعافي من الولادة:** سواء كانت الولادة طبيعية أو قيصرية، تحتاج الأم إلى فترة للتعافي. في حالة الولادة الطبيعية، قد تشعر الأم بالألم أو التورم في منطقة العجان، خاصة إذا كان هناك تمزق أو تم إجراء شق جراحي (شق العجان). أما في حالة الولادة القيصرية، فإن الألم والتعافي يتركزان حول جرح العملية.

الجوانب النفسية والعاطفية لفترة النفاس

لا تقل التغيرات النفسية والعاطفية أهمية عن التغيرات الجسدية. تمر الأم خلال فترة النفاس بمجموعة واسعة من المشاعر، تتراوح بين الفرح والسعادة الغامرة، والحزن، والقلق، والإرهاق.

* **تقلبات المزاج:** تُعد تقلبات المزاج شائعة جدًا، وغالبًا ما تُعرف بـ “اكتئاب ما بعد الولادة الخفيف” أو “دموع الأمومة”. هذه التقلبات تنتج عن التغيرات الهرمونية، وقلة النوم، وضغط المسؤولية الجديدة. عادةً ما تختفي هذه الأعراض من تلقاء نفسها في غضون أسبوعين.

* **اكتئاب ما بعد الولادة:** في بعض الحالات، قد تتطور هذه التقلبات إلى اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression – PPD)، وهي حالة أكثر شدة تتطلب عناية طبية. تشمل أعراض اكتئاب ما بعد الولادة الشعور بالحزن العميق والمستمر، وفقدان الاهتمام بالأمور التي كانت ممتعة سابقًا، وصعوبة الارتباط بالطفل، والشعور بالذنب أو العجز.

* **التكيف مع الأمومة:** تتطلب الأمومة الجديدة تكيفًا كبيرًا. تحتاج الأم إلى تعلم كيفية رعاية طفلها الجديد، وتلبية احتياجاته، والتعامل مع قلة النوم والإرهاق. الدعم من الشريك والعائلة والأصدقاء يلعب دورًا حاسمًا في تجاوز هذه المرحلة بنجاح.

متى تنتهي فترة النفاس؟

كما ذكرنا، تنتهي فترة النفاس عادةً بعد حوالي 4 إلى 6 أسابيع، عندما يعود الرحم إلى حجمه الطبيعي، ويتوقف النزيف النفاسي، وتستقر مستويات الهرمونات. ومع ذلك، فإن “التعافي الكامل” قد يستغرق وقتًا أطول، خاصة فيما يتعلق بالجوانب النفسية والتكيف مع دور الأمومة.

أهمية الرعاية الذاتية خلال فترة النفاس

تُعد فترة النفاس وقتًا حساسًا جدًا، وتتطلب من الأم الاهتمام بنفسها قدر الإمكان.

* **الراحة الكافية:** النوم قدر الإمكان، حتى لو كان على فترات متقطعة، ضروري لاستعادة الطاقة.
* **التغذية السليمة:** تناول وجبات صحية ومتوازنة غنية بالعناصر الغذائية يدعم عملية التعافي.
* **السوائل:** شرب كميات كافية من الماء والسوائل ضروري، خاصة إذا كانت الأم ترضع طبيعيًا.
* **طلب المساعدة:** لا تتردد الأم في طلب المساعدة من الشريك، أو العائلة، أو الأصدقاء في مهام رعاية الطفل والمنزل.
* **الدعم النفسي:** التحدث عن المشاعر مع شخص موثوق به، سواء كان شريكًا، صديقًا، أو أخصائيًا نفسيًا، أمر في غاية الأهمية.
* **الفحوصات الطبية:** لا تهمل الأم المواعيد الطبية المحددة بعد الولادة، حيث تساعد هذه الفحوصات على التأكد من سلامتها الجسدية والنفسية.

في الختام، فترة النفاس ليست مجرد فترة جسدية للتعافي، بل هي رحلة تحولية شاملة تتطلب صبرًا، ودعمًا، ورعاية فائقة. إن فهم ما يحدث خلال هذه الفترة، والاستعداد لها، والتركيز على الرعاية الذاتية، كلها عوامل تساهم في جعل هذه المرحلة من حياة المرأة تجربة إيجابية ومثمرة.

اترك التعليق