جدول المحتويات
فترة النفاس شرعاً: أحكامها، مدتها، وآثارها
تُعد فترة النفاس من الأحكام الشرعية المهمة المتعلقة بالمرأة المسلمة، وهي مرحلة ما بعد الولادة التي تتطلب فترات راحة وتطبيق أحكام شرعية خاصة. فهم هذه الفترة وتحديد مدتها الشرعية أمر ضروري لكل مسلمة، لتطبيق أحكام الطهارة والصلاة والصيام والتعامل مع الأحكام المتعلقة بالزوج. سنغوص في تفاصيل فترة النفاس، مستعرضين الأقوال الفقهية المختلفة، ومدتها، وما يترتب عليها من أحكام.
تعريف النفاس ولغته واصطلاحه
لغويًا، يُقال “نَفَسَتِ المرأةُ” أي وضعت حملها، ومنه قولهم “نَفَسَاء” للمرأة التي وضعت. أما اصطلاحًا في الفقه الإسلامي، فالنفاس هو الدم الذي تراه المرأة بعد الولادة. وهو دم طبيعي يخرج مع الولد، ويختلف عن دم الحيض الذي يسبق الولادة أو يأتي في أوقات أخرى.
المدة الشرعية للنفاس: اختلاف الآراء الفقهية
تُعد مسألة تحديد مدة النفاس من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء، وذلك لاختلاف استقراءاتهم للنصوص الشرعية والواقع العملي. ويمكن تلخيص الآراء الرئيسية فيما يلي:
الرأي الأول: الحد الأقصى أربعون يومًا
وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية في أحد قوليهم، ورواية عن أحمد. يستدل أصحاب هذا الرأي بما ورد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجلس أربعين يومًا” (رواه أبو داود وابن ماجه). ويرون أن هذا هو الحد الأقصى الذي قد تستمر فيه هذه الحالة، وأن المرأة إذا تجاوزت الأربعين يومًا ولم ينقطع عنها الدم، فإنها تُعتبر طاهرًا بعد تمامها، وتُعامل معاملة المستحاضة في باقي أيام الشهر.
الرأي الثاني: لا حد لأكثره، ولكنه غالبًا ما يكون ستون يومًا أو أقل
وهو قول عند المالكية، وقول للشافعية، وقول في مذهب أحمد. يرى أصحاب هذا الرأي أن النفاس قد يمتد لأكثر من أربعين يومًا، وأن له أحكامًا خاصة طالما أنه دم نفاس. ولكنهم يضعون تقديرات للغالب، فبعضهم يرى أن الغالب هو ستون يومًا، وبعضهم يرى أن الغالب هو أربعون يومًا.
الرأي الثالث: عشرون يومًا
وهو قول عند الحنابلة. يستدلون على ذلك ببعض الآثار التي لا ترقى إلى درجة القطع.
الرأي الرابع: لا حد له، والاعتبار بالعادة
وهو قول عند الشافعية. ويرى أصحاب هذا الرأي أن مدة النفاس لا تُحدد بحد أقصى معين، وإنما تُرجع المرأة فيه إلى عادتها في الحيض، فما تجاوزت مدة حيضها المعتادة فهو دم فساد.
الترجيح والواقع العملي
على الرغم من تعدد الآراء، فإن القول الراجح عند كثير من أهل العلم هو أن الحد الأقصى للنفاس هو أربعون يومًا، وهو ما عليه العمل لدى كثير من المسلمين. فإذا انقطع الدم قبل الأربعين، فإنها تعتبر طاهرًا وتغتسل وتصلي. وإذا استمر الدم بعد الأربعين، فإنها تعتبر مستحاضة فيما زاد عن الأربعين، وتُتبع في هذه الحالة أحكام المستحاضة.
أحكام شرعية مترتبة على النفاس
تترتب على فترة النفاس العديد من الأحكام الشرعية التي يجب على المرأة المسلمة معرفتها والالتزام بها:
1. أحكام الصلاة والصيام
المرأة النفساء لا تصلي ولا تصوم طوال فترة النفاس. فإذا انقطع عنها الدم قبل الأربعين، اغتسلت وصامت وصَلّت. وإذا استمر الدم بعد الأربعين، فإنها تُعتبر مستحاضة فيما زاد عن الأربعين، فتصلي وتصوم، مع مراعاة أحكام المستحاضة.
2. أحكام الطلاق
لا يقع الطلاق من الزوج على زوجته وهي في فترة النفاس، إلا إذا كان طلاقًا رجعيًا، ثم عادت إليه بعد انقضاء عدتها.
3. أحكام الجماع
يحرم على الزوج جماع زوجته وهي في فترة النفاس. فإذا انقطع عنها الدم قبل الأربعين، اغتسلت وجاز له جماعها.
4. أحكام قراءة القرآن والمس المصحف
لا يجوز للمرأة النفساء قراءة القرآن أو مس المصحف، إلا إذا انقطع عنها الدم قبل الأربعين واغتسلت.
5. أحكام الاعتكاف والطواف
لا يجوز للمرأة النفساء الاعتكاف في المسجد أو الطواف حول الكعبة، إلا إذا انقطع عنها الدم قبل الأربعين واغتسلت.
6. أحكام العدة
تُحتسب فترة النفاس من ضمن مدة العدة للمرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها.
متى تنتهي فترة النفاس؟
تنتهي فترة النفاس بانقطاع الدم، سواء قبل تمام الأربعين يومًا أو بعدها. فإذا انقطع الدم قبل الأربعين، اغتسلت المرأة وطهرت، وبدأت في أداء العبادات. أما إذا استمر الدم إلى ما بعد الأربعين، فإنها تُعتبر مستحاضة فيما زاد عن الأربعين، وتُتبع في هذه الحالة أحكام المستحاضة، مع العلم أن الأربعين يومًا هي الحد الأقصى المتفق عليه غالبًا.
الدم الذي تراه المرأة بعد انقطاع النفاس: دم الفساد (الاستحاضة)
إذا استمر الدم لدى المرأة بعد الأربعين يومًا، أو تجاوز مدة عادتها في الحيض إذا كانت قد حددتها، فإن هذا الدم يُعتبر دم فساد أو استحاضة. وفي هذه الحالة، يجب على المرأة أن تأخذ بحكم المستحاضة، وهو أن تعتبر نفسها طاهرًا بعد غسل فرجها ووضع ما يمنع خروج الدم، ثم تتوضأ لكل صلاة في وقتها، وتصلي فروضها، وتصوم، وتفعل كل ما تفعله الطاهرات.
الخلاصة
فترة النفاس هي مرحلة شرعية مهمة تتسم بأحكام خاصة. وعلى الرغم من وجود اختلاف فقهي في تحديد مدتها القصوى، إلا أن القول الراجح هو الأربعون يومًا. تفهم هذه الأحكام والالتزام بها يعكس حرص المسلمة على تطبيق شريعة الله في كافة جوانب حياتها، ويضمن لها أداء العبادات على الوجه الصحيح.
