قصة فرعون وموسى

كتبت بواسطة ابراهيم
نشرت بتاريخ : الجمعة 7 نوفمبر 2025 - 6:08 مساءً

قصة فرعون وموسى: صراع الحق والباطل عبر العصور

تُعد قصة فرعون وموسى من أقدم وأعظم القصص التي حملتها الأديان السماوية، وهي ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي ملحمة خالدة عن الصراع الأزلي بين الحق والباطل، وبين القوة المستبدة والإيمان المتجذر. قصة تتجاوز حدود الزمان والمكان، لتقدم دروساً وعبرًا لا تزال تتردد أصداءها في قلوب الملايين حول العالم. إنها قصة النبي موسى، الذي بعثه الله لهداية بني إسرائيل وإنقاذهم من بطش فرعون، الطاغية المتكبر الذي ادعى الربوبية وأذل شعبًا بأكمله.

نشأة موسى وبداية الرسالة

في زمن كان فيه الظلم والجور سمة سائدة في مصر القديمة، وُلد موسى عليه السلام. كان فرعون، الذي حكم مصر بقبضة من حديد، قد أصدر أمرًا بقتل كل مولود ذكر من بني إسرائيل خشية أن يخرج منهم نبي يكون سببًا في زوال ملكه. لكن حكمة الله تعالى كانت أعلى وأسمى من مخططات الطغاة. فُقدت أم موسى بطفلها الرضيع، وألهمها الله أن تلقيه في تابوت وتضعه في اليم (نهر النيل). وبقدرة إلهية، وجده آل فرعون، ومن بينهم زوجته آسيا، التي تعلقت به وأصرت على الاحتفاظ به، لتكون معجزة تتكشف أمام أعين الظالم نفسه. نشأ موسى في قصر فرعون، تحت رعايته، ولكنه كان يحمل في طياته قدرًا أعظم ورسالة سماوية.

الرحلة نحو النبوة واللقاء الإلهي

بعد أن شب موسى واكتمل عقله، رأى بعينيه الظلم الذي يتعرض له قومه. وفي إحدى المرات، تدخل للدفاع عن رجل من بني إسرائيل، فضرب رجلاً قبطيًا فمات. شعر موسى بالندم والخوف، ولكنه أدرك أن هذا الحدث كان بداية لمسيرته. أمر الله تعالى موسى بالتوجه إلى مدين، حيث عاش حياة جديدة، وتزوج، ثم عاد بعدها إلى مصر بأمر إلهي، ليواجه فرعون ويدعوه إلى عبادة الله الواحد الأحد. كانت رحلة موسى إلى جبل الطور، حيث تلقى وحي الله وكلمه تكليمًا، نقطة تحول كبرى في حياته وحياة بني إسرائيل. هنا، مُنح موسى العصا التي ستصبح معجزة، وآيات بينات ليقيم الحجة على فرعون وقومه.

مواجهة فرعون: آيات ومعجزات

عاد موسى إلى مصر، حاملًا رسالة الله ومعجزاته. واجه فرعون، ذلك الحاكم الذي استعبدت نفسه الغرور والكبرياء، والذي وصل به الحال إلى ادعاء الربوبية. كان فرعون وجنوده على رأس القوة والسلطة، بينما كان موسى وبنو إسرائيل ضعفاء ومستضعفين. لكن القوة الحقيقية كانت مع موسى، قوة الإيمان بالله الواحد القهار. عرض موسى على فرعون آياته، ومنها العصا التي تتحول إلى حية، ويده التي تخرج بيضاء من غير سوء. ولكن قلب فرعون كان مختومًا، وعناده وتكبره منعه من رؤية الحق. استمر فرعون في طغيانه، وزاد في اضطهاد بني إسرائيل، متحديًا قوة الله العظيم.

الآيات التسع وذروة الصراع

أرسل الله تعالى على فرعون وقومه تسع آيات بينات، لتكون دليلًا على صدق نبوة موسى وعقابًا لطغيانهم. شملت هذه الآيات الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وهي علامات واضحة على غضب الله وسخطه. ولكن فرعون، في كل مرة، كان يتعهد بالتوبة إذا كُشف العذاب، ثم يعود إلى عناده وجبروته. لم تنفع الآيات في ردعه، بل زاد في إصراره على إبقاء بني إسرائيل في عبوديته. بلغ الصراع ذروته عندما أمر موسى بني إسرائيل بالخروج من مصر ليلًا.

الخروج من مصر: انفلاق البحر والمعجزة الكبرى

كان فرعون وجنوده يلاحقون موسى وبني إسرائيل، حتى وصلوا إلى البحر الأحمر. في لحظة بدا فيها الهلاك وشيكًا، أمر الله تعالى موسى أن يضرب بعصاه البحر. فانفلق البحر اثني عشر طريقًا، وجعل الله لكل طريق جدارًا عظيمًا من الماء. سار بنو إسرائيل في البحر وهم آمنون. وعندما هم فرعون وجنوده بالعبور خلفهم، عاد الماء ليطبق عليهم، فأغرقهم الله جميعًا. كانت هذه المعجزة الكبرى نهاية طاغية متكبر، وبداية حرية لشعب مستضعف. لقد أثبتت هذه القصة أن قوة الله هي القوة المطلقة، وأن الطغيان مهما بلغ، فلا بد أن يزول أمام الحق.

دروس خالدة من القصة

قصة فرعون وموسى ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي درس مستمر للأجيال. إنها تذكرنا بقوة الإيمان في مواجهة الظلم، وأن الصبر والمثابرة هما مفتاح النصر. تعلمنا أن الكبرياء والاستبداد يؤديان إلى الهلاك، وأن الحق دائمًا ينتصر في النهاية، ولو بعد حين. إنها دعوة للتفكر في قدرة الله، وفي أن الظالم مهما طغى، لن يفلت من حساب الله. قصة موسى وفرعون هي شهادة على أن النضال من أجل الحرية والعدالة هو واجب إنساني وديني، وأن التضحية في سبيلهما أمر نبيل.

اترك التعليق