قصة فرعون وامه

كتبت بواسطة ياسر
نشرت بتاريخ : الجمعة 7 نوفمبر 2025 - 6:09 مساءً

قصة فرعون وأمه: سر الولادة والخلاص الذي غير مجرى التاريخ

في أغوار التاريخ المصري القديم، حيث تتعانق الأساطير بالحقائق، وتتداخل خيوط الحكمة مع قسوة السلطة، تبرز قصة فرعون موسى، ذلك الطفل الذي نجا من مذبحة، وأمه التي لعبت دوراً محورياً في خلاص طفلها وإنقاذ شعب بأكمله. هذه القصة، التي نقشت على جدران المعابد ورويت عبر الأجيال، ليست مجرد حكاية عن حاكم طاغية، بل هي شهادة على قوة الأمومة، وحكمة الإله، والقدر الذي لا يرحم.

ولادة في ظل الخوف: أمر فرعون بمذبحة الأطفال

في عصر طغت عليه طغيان فرعون، الذي حكم مصر بقبضة من حديد، عاش بنو إسرائيل في خوف دائم. كانت نبوءة قديمة تتحدث عن ولادة طفل من بني إسرائيل سيقضي على ملك فرعون. لم يكن هذا الطاغية ليسمح لأي تهديد بالوصول إلى عرشه، فجاء أمره القاسي بذبح كل مولود ذكر من بني إسرائيل. كان الخوف يلف البيوت، والأمهات يخبئن أطفالهن، وقلوبهن تعتصر ألماً وحزناً.

أم موسى: العزيمة في وجه القدر

وسط هذا الجو المشحون بالرعب، ولدت أم موسى طفلها. لم يكن أمامها سوى خيارين مريرين: إما أن ترى ابنها يُذبح أمام عينيها، أو أن تخاطر بكل شيء لإنقاذه. هنا، تجلت قوة الأمومة في أبهى صورها. لم تستسلم أم موسى لليأس، بل استمدت قوتها من إيمانها وإرادتها الصلبة. مستلهمة من وحي إلهي، اتخذت قراراً جريئاً، قررت أن تلقي بفلذة كبدها في النيل.

صندوق النيل: رحلة الأمل إلى المجهول

كانت المهمة شاقة، والقلب يعتصر ألماً، لكن الأم أعدت صندوقاً متيناً، وحنّطته بالقطران، ثم وضعت فيه رضيعها الغالي. ألقت بالصندوق في مياه النيل، متوكلة على الله، ومستودعة فلذة كبدها في عناية السماء. لم يكن هذا مجرد إلقاء بطفل، بل كان إلقاء بأمل، ورسالة تحدٍ للطغيان. كانت المياه، التي كانت مصدر حياة لمصر، هي السبيل الوحيد لإنقاذ هذا الطفل من الموت المحتم.

آسيا: رحمة القلب الملكي

كانت رحلة الصندوق في النيل رحلة محفوفة بالمخاطر، لكن القدر كان له رأي آخر. وصل الصندوق إلى قصر فرعون، حيث وجدته آسيا، زوجة فرعون. على الرغم من طبيعة زوجها القاسية، كانت آسيا تتمتع بقلب رحيم ونفس شفوقة. رأت في الطفل البريء مصدر أمل، ولم يكن لديها أطفال. قررت أن تتبناه، متحدية بذلك أوامر زوجها، ومستجيبة لنداء الرحمة الذي فاض في قلبها.

نمو موسى في كنف الحماية: مفارقة القدر

وهكذا، نما موسى في كنف القصر الملكي، تحت حماية آل فرعون. هذه المفارقة العجيبة، أن يكون الطفل الذي أمر فرعون بقتله هو نفسه من يتربى في أحضانه، هي من أروع تجليات القدر. لقد كانت الأم، بأيمانها وحكمتها، قد نسجت خيوط الخلاص، وجعلت من الموت حياة، ومن الخطر أمناً. لقد أثبتت أن الأم، في عزيمتها وحبها، قادرة على تغيير مجرى التاريخ.

عودة الأم: لم شمل مؤثر

لم تنسَ الأم ابنها. وبعد أن كبر موسى، وبدأت بوادر النبوة تظهر عليه، شاء القدر أن تعود أمه إلى حياته، ليس كأم مجردة، بل كأم استراتيجية، استطاعت أن تعيد ابنها إلى حضنها، ليس من باب العاطفة فقط، بل من باب الحكمة والتدبير. عادت لترعاه، وتغذيه، وتزرع فيه القيم والمبادئ التي ستشكل شخصيته كرسول. كانت هذه العودة بمثابة تتويج لقوة الأمومة، وللتخطيط الإلهي الذي لا يعجزه شيء.

موسى: الرسول الذي غير العالم

كبر موسى، وحمل رسالة التوحيد، وواجه فرعون الذي سعى لقتله. لقد كانت تربيته في القصر، ثم عودته إلى أمه، هي التي صقلت شخصيته، وجعلته مؤهلاً لحمل أثقل الرسائل. قصته هي قصة الإيمان، والصبر، وقوة الأمومة التي لا تقهر. إنها قصة كيف يمكن للمرأة، بإيمانها وعزيمتها، أن تحدث فرقاً هائلاً، ليس فقط في حياة أسرتها، بل في حياة شعب بأكمله، بل وفي مسار التاريخ البشري.

الأكثر بحث حول "قصة فرعون وامه"

اترك التعليق