قصة فرعون

كتبت بواسطة محمود
نشرت بتاريخ : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 3:33 صباحًا

قصة فرعون: الطغيان، النبوة، والمعجزة

تُعد قصة فرعون من القصص المحورية في التاريخ الديني والثقافي، فهي تجسد صراعًا أبديًا بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، وبين العدل والطغيان. قصة فرعون ليست مجرد سرد تاريخي لمستبد حكم مصر القديمة، بل هي عبرة مستمرة للإنسانية، تحمل في طياتها دروسًا عميقة حول طبيعة السلطة، وعواقب الغرور، وقوة الإيمان، وانتصار الحق في نهاية المطاف.

من هو فرعون؟

عندما نتحدث عن “فرعون”، فإننا لا نشير إلى اسم شخص واحد بعينه، بل إلى لقب يُطلق على ملوك مصر القديمة. كانت هذه الشخصية في الغالب تُعتبر شبه إله، تُعطى لها صفات ألوهية، وتمتلك سلطة مطلقة وغير محدودة على شعبها. عاش فرعون الذي ورد ذكره في قصص الأنبياء، وتحديداً في عهد النبي موسى عليه السلام، في فترة زمنية غابرة، لكن تأثيره ورمزيته لا يزالان حاضرين بقوة في الأذهان. كان هذا الفرعون، بحسب الروايات الدينية، رمزًا للقوة والجبروت والغطرسة، يسعى للتحكم في كل شيء، ويرفض الاعتراف بأي قوة تفوق قوته.

الاضطهاد والإيمان الناشئ

في ظل حكم هذا الفرعون المتجبر، عانى بنو إسرائيل من قمع شديد واضطهاد متواصل. لقد استُعبِدوا، وسُخّروا في الأعمال الشاقة، وتعرضوا للظلم والبؤس. وفي خضم هذه الظلمات، بزغ نور الإيمان في قلب رجل واحد، هو النبي موسى عليه السلام. جاء موسى برسالة التوحيد والإيمان بالله الواحد، داعيًا فرعون وبني إسرائيل إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام والأوثان.

رفض فرعون دعوة موسى رفضًا قاطعًا، متشبثًا بسلطته وإلهيته المزعومة. لقد اعتبر طلب موسى تحديًا لسلطته المطلقة، واستهدافًا لنظامه القائم على الطغيان. ازداد اضطهاد بني إسرائيل، وأصبح موقفهم أكثر صعوبة، لكن الإيمان في قلوب المؤمنين كان ينمو ويتجذر، مدعومًا بتوجيهات موسى وبشارات النصر.

الآيات والمعجزات

لم يكتفِ فرعون برفض دعوة موسى، بل قابلها بالسخرية والتهديد. وهنا، أظهر الله سبحانه وتعالى قدرته الخارقة من خلال موسى عليه السلام، بآيات ومعجزات عظيمة أراد الله بها إظهار الحق وإفحام فرعون وجنوده. من أشهر هذه الآيات كانت تحول عصا موسى إلى حية تسعى، وانفجار الماء من الصخرة، والآيات التسع التي أنزلها الله على مصر، والتي شملت الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وغيرها.

كانت هذه الآيات بمثابة رسائل إلهية مباشرة لفرعون، تدعوه إلى التفكير والتوبة. لقد كانت بمثابة دليل قاطع على صدق موسى عليه السلام، وعلى قوة الله الذي أرسله. لكن الغرور والكبرياء منع فرعون من الاستجابة، بل زاده إصرارًا على عناده وتكذيبه.

الخروج الكبير والمعجزة الكبرى

مع كل آية ومعجزة، كان فرعون يزداد عنادًا وإصرارًا على موقفه. لقد أصبحت الأزمة بين موسى وفرعون وبني إسرائيل تصل إلى ذروتها. وفي النهاية، وبعد نفاد الحجج، وبعد أن أصبحت مصر تعاني من الآيات، أذن الله لموسى عليه السلام بأن يقود بني إسرائيل للخروج من مصر.

كان الخروج حدثًا تاريخيًا عظيمًا، لكنه لم يكن خالياً من التحديات. عندما علم فرعون بخروج بني إسرائيل، جمع جيشه الجرار ولحق بهم، عازمًا على استعادتهم وإعادة إخضاعهم. وصل فرعون وجنوده إلى البحر الأحمر، بينما كان بنو إسرائيل يقفون أمامه في خوف وترقب.

وهنا، تجلت المعجزة الكبرى. أمر الله نبيه موسى بضرب البحر بعصاه. فضرب موسى البحر، فانشق البحر إلى اثني عشر طريقًا، وأصبح كل طريق كالجبل العظيم، وظهر طريق يابس في وسط البحر. سار بنو إسرائيل بأمان عبر هذا الطريق اليابس، ولم يصبهم سوى القليل من الرعب.

الهلاك والعبرة

عندما عبر بنو إسرائيل البحر، بدأ فرعون وجنوده بالسير في نفس الطريق. وما إن وصل فرعون في منتصف البحر، حتى أذن الله للبحر بالعودة إلى حالته الطبيعية. انطبق البحر على فرعون وجنوده، فغرقوا جميعًا، وهلكوا هلاكًا مدمرًا.

كان هلاك فرعون عبرة عظيمة للمؤمنين وللإنسانية جمعاء. لقد أثبتت هذه القصة أن الطغيان مهما بلغ من قوة، سينتهي حتمًا بالدمار. وأن الكبرياء والغرور يؤديان إلى السقوط. وأن قوة الله هي القوة المطلقة، وأن الحق سينتصر ولو بعد حين. تظل قصة فرعون وموسى عليه السلام رمزًا للصراع بين الحق والباطل، وقصة تبعث الأمل في النفوس بأن الظلم مهما طال، له نهاية، وأن الإيمان والصبر هما مفتاح النصر.

اترك التعليق