قصة غريبة في المدينة

كتبت بواسطة صفاء
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 12:31 مساءً

ظلال المدينة الخفية: قصة ليلة لا تُنسى

في قلب مدينة تعج بالحياة، تتشابك الخيوط اليومية لتنسج لوحة متكررة من الروتين والضجيج. لكن أحيانًا، تخترق ستار العادي خيوط غريبة، لتكشف عن جوانب خفية ومدهشة لهذه الكيانات الحضرية الصاخبة. كانت تلك الليلة إحدى تلك الليالي، حينما تحولت شوارع “أفالون” المألوفة إلى مسرح لقصة تتجاوز حدود المنطق، قصة بدأت بصدفة، واحتضنتها ظلمة الليل، لتترك أثرًا لا يُمحى في ذاكرة كل من عايشها.

فجر يوم عادي، ونذير غير مرئي

بدأ الأمر كأي مساء عادي في أفالون. كانت الشمس تغرب، مرسلة أشعتها الذهبية الأخيرة على ناطحات السحاب، بينما بدأت الأنوار الوهاجة للمدينة تتفتح كنجوم أرضية. كان “ليث”، رسام شاب يعيش حياة بسيطة في شقته المتواضعة المطلة على أحد الشوارع الرئيسية، منهمكًا في لوحته الجديدة، حينما لاحظ شيئًا غريبًا. ضوء خافت، غير طبيعي، بدأ يتسلل من زقاق ضيق خلف مبنى المكاتب المهجور. لم يكن ضوء المصباح، ولا وهج سيارة، بل كان شيئًا أكثر هدوءًا، وأكثر إثارة للحيرة.

الفضول يقود إلى المجهول

لم يكن ليث من النوع الذي يتجاهل غرابة الأمور. دفعه فضوله، ممزوجًا بشيء من القلق، إلى مغادرة مرسمه. ارتدى معطفه، ونزل إلى الشارع، متوجهًا نحو مصدر الضوء الغامض. كلما اقترب، زاد وضوح الصوت المصاحب للضوء: همهمة خافتة، أشبه بتناغم موسيقي غريب، لا يمكن تحديد مصدره بالضبط. كانت الشوارع شبه خالية في هذا الوقت المتأخر، مما زاد من جو الغموض والوحدة.

الكشف عن مشهد لا يُصدق

عند وصوله إلى مدخل الزقاق، تجمد ليث في مكانه. ما رآه كان يفوق كل تصور. في وسط الزقاق، حيث تتراكم صناديق النفايات القديمة، كانت تتشكل دائرة من الضوء الناعم، يتراقص داخلها بخفة شيء أشبه ببلورات صغيرة متوهجة، كل منها تصدر نغمة موسيقية خاصة بها. لم تكن نباتات، ولا حيوانات، ولا حتى ظاهرة طبيعية معروفة. كانت كيانات مضيئة، تتفاعل مع بعضها البعض بلغة بصرية وسمعية فريدة.

صخب المدينة الصامت

لم يكن ليث الوحيد الذي استوقف هذا المشهد. بدأت نوافذ الشقق القريبة تتفتح، وتظهر وجوه فضولية. تجمعت مجموعة صغيرة من السكان، يشاهدون الحدث بدهشة وصمت. كانت الهواتف المحمولة تخرج لالتقاط الصور وتسجيل الفيديو، لكن معظمها فشل في التقاط التفاصيل الدقيقة للكيانات المتوهجة. كان الأمر كما لو أن الظاهرة نفسها تتجنب التوثيق المادي، مفضلة البقاء في عالمها الخاص، عالم الظلال والأصوات الخافتة.

تفاعل غريب ومفاجئ

بعد دقائق من المراقبة الصامتة، حدث شيء أكثر غرابة. اقتربت إحدى البلورات المتوهجة من ليث ببطء. لم يشعر بالخوف، بل بنوع من الانجذاب الهادئ. امتدت البلورة نحو يده، ولمست أطراف أصابعه برفق. في تلك اللحظة، شعر ليث بتيار خفيف من الطاقة يسري في جسده، وكأنها تبلغه رسالة غير منطوقة، رسالة سلام أو ربما تحية. بعدها، انسحبت البلورة وعادت إلى الدائرة المتوهجة.

اختفاء الظاهرة وترك الأسئلة

وبنفس الهدوء الذي ظهرت به، بدأت الظاهرة تتلاشى. خفت الضوء تدريجيًا، وانقطع الهمهمة الموسيقية. في غضون دقائق، لم يتبقَ سوى الظلام المعتاد للزقاق، وصناديق النفايات المنسية. نظر ليث إلى يديه، وكأنه يبحث عن دليل مادي لما حدث، لكن لم يكن هناك شيء. تبادل الجميع نظرات الحيرة، وتساءلوا عن طبيعة تلك الزيارة الغريبة.

أثر في المدينة وقلوب ساكنيها

انتشرت القصة بسرعة في أفالون. أصبحت حديث المدينة، يتناقلها الناس في المقاهي، وفي وسائل التواصل الاجتماعي. البعض اعتبرها مجرد خدعة بصرية، أو هلوسة جماعية. لكن بالنسبة لأولئك الذين شهدوها عن قرب، كانت حقيقة لا يمكن إنكارها. تركت تلك الليلة بصمة عميقة، تذكيرًا بأن المدينة، بكل ما فيها من صخب وروتين، لا تزال تحتفظ بأسفارها الغامضة، وبقدرتها على إبهارنا، حتى في أكثر زواياها ظلمة.

تأملات في ما وراء العادي

لم يتمكن ليث أبدًا من إعادة خلق تلك التجربة، أو فهم طبيعة تلك الكيانات. لكنه استمر في الرسم، مستلهمًا من ذلك اليوم الغريب. أصبحت لوحاته تعكس ظلالًا خافتة، وألوانًا غير مألوفة، وأصواتًا صامتة. لقد أدرك أن المدينة ليست مجرد حجارة وأسمنت، بل هي نسيج حي، تتخلله لحظات من الغموض والجمال، لحظات تجعلنا نتساءل عن ما وراء الظاهر، وعن الأسرار التي تخفيها شوارعنا المألوفة.

الأكثر بحث حول "قصة غريبة في المدينة"

اترك التعليق