قصة ادم عليه السلام في سورة البقرة

كتبت بواسطة نجلاء
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 9:26 صباحًا

ولادة البشرية وبداية الاختبار: قصة آدم عليه السلام في سورة البقرة

تُعد سورة البقرة، أطول سور القرآن الكريم، بمثابة دستور متكامل للحياة، ومن أولى القصص التي تتجلى فيها آيات الله البينات هي قصة أبي البشر، آدم عليه السلام. إنها قصة تأسيسية، تحمل في طياتها دروسًا لا تنتهي حول بداية الخلق، الغاية من الوجود، طبيعة الإنسان، الصراع الأزلي بين الخير والشر، ومفهوم التوبة والرحمة الإلهية. لم تأتِ هذه القصة مجرد سرد تاريخي، بل هي إعلان إلهي عن مكانة الإنسان، وتكليفه بالخلافة في الأرض، وتبيان لطريق الهداية والضلال.

مرحلة الخلق والتكريم: نفخة الروح ونفحة الكرامة

بدأت قصة آدم بقرار إلهي عظيم: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ” (الحجر: 28). هنا، يشير القرآن الكريم إلى المادة الأولى التي خُلق منها آدم، وهي الطين المتغير، مما يدل على أصل الإنسان الترابي. لكن الخالق لم يكتفِ بذلك، بل نفخ فيه من روحه، “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” (الحجر: 29). هذه النفخة الإلهية هي التي ميّزت الإنسان، وأضفت عليه صفة الكرامة، وجعلته كائنًا عاقلاً، قادرًا على الإدراك، الاختيار، والتكليف.

الملائكة والسجود: علامة على المكانة الرفيعة

عندما اكتمل خلق آدم، أمره الله سبحانه وتعالى للملائكة بالسجود له. هذا السجود لم يكن عبادة، بل كان تحية إجلال وتكريم، وإعلانًا عن اصطفاء الله لآدم ليكون خليفته في الأرض. “وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” (البقرة: 31). تعليم آدم الأسماء، أي مسميات الأشياء وقدرتها على التعبير عنها، كان دليلًا آخر على تفوقه وتميزه، وقدرته على الفهم والإدراك التي تفوق بها على الملائكة في ذلك الجانب.

التحدي الأول: إبليس ورفضه الأمر الإلهي

لم يمر هذا الاصطفاء الإلهي دون تحدٍ. ظهرت العصبية والكبرياء في إبليس، الذي كان من الجن، ورفض الانصياع لأمر السجود لآدم. “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ” (الأعراف: 12). لقد استند إبليس في رفضه إلى قياس فاسد، معتبرًا أن مادته (النار) أفضل من مادة آدم (الطين)، متجاهلاً في ذلك قدرة الخالق وحكمته. كان هذا الرفض بداية الصراع الأزلي بين الحق والباطل، بين طاعة الرحمن ومعصية الشيطان.

السكنى في الجنة: اختبار للطاعة والامتنان

أسكن الله آدم وزوجته حواء في الجنة، وجعلها دار نعيم ورخاء، مع تحذير واحد واضح: “وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ” (الأعراف: 19). كانت هذه الشجرة بمثابة اختبار لطاعة آدم وزوجته، ولبيان مدى استجابتهما لأوامر الخالق. لم تكن الشجرة ممنوعة لذاتها، بل كرمز للطاعة، وكفحص لمدى التزام الإنسان بالحدود التي وضعها له ربه.

وهم الشيطان وإغواء البشرية

لم يفت صبر إبليس، بل بدأ في إغوائهما. “فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ” (الأعراف: 20). هنا، استخدم الشيطان أسلوبه المعتاد في التزيين، وإثارة الرغبات المكبوتة، وتشكيكهما في نوايا الله. لقد وعدهما بالخلود والملك، مستغلاً حب الإنسان للكمال والخلود، ومصورًا لهما أن الأكل من الشجرة هو الطريق لتحقيق ذلك.

الخطيئة والهبوط: درس في المسؤولية والتوبة

وقعت الخطيئة، وأكلا من الشجرة. “فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ” (الأعراف: 22). فور الأكل، انكشفت لهما سوءاتهما، وشعرا بالندم والخجل. هنا، يتجلى درس عظيم في المسؤولية؛ فلم يحاول آدم إلقاء اللوم على حواء أو على الشيطان، بل اعترف بخطئه.

رحمة الله والتوبة: بداية عهد جديد

لكن رحمة الله سبقت غضبه. “قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (الأعراف: 23). بصدق توبتهما واستغفارهما، فتح الله لهما باب الرحمة. “فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” (البقرة: 37). لقد علمه الله كلمات التوبة، فتاب عليه، ليبدأ عهد جديد للبشرية على الأرض.

الهبوط إلى الأرض: اختبار الخلافة والابتلاء

كان الهبوط إلى الأرض ليس عقابًا بقدر ما هو تكليف. “قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة: 38). لقد جعل الله الأرض مستقرًا للبشر، وجعل حياتهم عليها مليئة بالاختبارات والابتلاءات، ولكنه وعدهم بالهدى. “وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (البقرة: 39). هنا، يتضح أن مصير الإنسان مرهون باتباعه للهدى الإلهي أو تكذيبه.

الدرس المستمر: طبيعة الإنسان والصراع الدائم

قصة آدم عليه السلام في سورة البقرة ليست مجرد فصل من الماضي، بل هي بيان دائم لطبيعة الإنسان. فهو مخلوق مكرم، قادر على الخير والشر، يمتلك الإرادة الحرة، ويتعرض دائمًا لإغواء الشيطان. لكنه أيضًا مخلوق رحيم، قادر على التوبة والعودة إلى ربه. إنها قصة تدعو إلى التأمل في مسؤولياتنا، وفي أهمية اتباع أوامر الله، وفي قدرة الرحمة الإلهية على غفران الذنوب. إنها أساس فهمنا لوجودنا، ولماذا نحن هنا، وكيف يمكننا تحقيق غاية وجودنا كخلفاء لله في أرضه.

الأكثر بحث حول "قصة ادم عليه السلام في سورة البقرة"

اترك التعليق