سبب نقص الوزن وفقدان الشهية

فهم أسباب نقص الوزن وفقدان الشهية: رحلة نحو استعادة الصحة

في عالم يزدحم بالحديث عن السمنة ومخاطرها، قد يغفل الكثيرون عن مشكلة لا تقل خطورة، بل قد تكون مؤشرًا على أمراض كامنة تتطلب انتباهًا خاصًا، وهي مشكلة نقص الوزن وفقدان الشهية. إن فقدان الوزن غير المبرر، أو الشعور المستمر بانعدام الرغبة في تناول الطعام، ليس مجرد مسألة جمالية أو تفضيل شخصي، بل هو عرض قد يشير إلى خلل عميق في وظائف الجسم أو اضطرابات نفسية تؤثر على جودة الحياة.

الأسباب الجسدية لنقص الوزن وفقدان الشهية

عندما نتحدث عن نقص الوزن، فإن الأذهان غالبًا ما تتجه نحو الأسباب الجسدية أولًا. هناك مجموعة واسعة من الحالات الطبية التي يمكن أن تسهم في هذه المشكلة، بدءًا من المشاكل الهضمية وصولًا إلى الأمراض المزمنة.

اضطرابات الجهاز الهضمي

يعتبر الجهاز الهضمي هو المحطة الأولى لاستقبال الغذاء وتحليله وامتصاص عناصره الغذائية. أي خلل في هذا النظام المعقد يمكن أن يؤدي إلى مشاكل كبيرة في الوزن.

أمراض التهاب الأمعاء (IBD)

تشمل أمراض مثل داء كرون والتهاب القولون التقرحي، حيث يعاني المريض من التهاب مزمن في الأمعاء. هذا الالتهاب يعيق قدرة الأمعاء على امتصاص العناصر الغذائية بشكل فعال، مما يؤدي إلى نقص الوزن وفقدان الشهية. غالبًا ما يصاحب هذه الأمراض آلام في البطن، وإسهال، ونزيف، وكلها عوامل تقلل من الرغبة في تناول الطعام.

متلازمة سوء الامتصاص

في هذه المتلازمة، لا يستطيع الجسم امتصاص العناصر الغذائية الرئيسية مثل الفيتامينات والمعادن والبروتينات والدهون من الطعام. يمكن أن تكون هذه المتلازمة ناتجة عن مشاكل في إنزيمات الهضم، أو تلف في بطانة الأمعاء، أو أمراض أخرى تؤثر على عملية الامتصاص.

قرحة المعدة والاثني عشر

يمكن أن تسبب القرحة ألمًا شديدًا عند تناول الطعام، مما يدفع المريض إلى تجنب الوجبات. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي القرحة إلى نزيف داخلي، مما يؤثر على الصحة العامة ويسبب الضعف وفقدان الوزن.

التهاب البنكرياس

يؤدي التهاب البنكرياس، سواء كان حادًا أو مزمنًا، إلى صعوبة في هضم الطعام بسبب نقص الإنزيمات الهاضمة التي ينتجها البنكرياس. هذا يؤدي إلى سوء الامتصاص، وفقدان الوزن، وألم شديد في البطن.

أمراض الغدد الصماء

تلعب الهرمونات دورًا حيويًا في تنظيم عملية الأيض والشهية. أي خلل في إنتاج هذه الهرمونات يمكن أن يؤثر بشكل كبير على وزن الجسم.

فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism)

في هذه الحالة، تفرز الغدة الدرقية كميات زائدة من الهرمونات، مما يؤدي إلى تسارع عملية الأيض بشكل كبير. يحرق الجسم السعرات الحرارية بسرعة تفوق ما يستهلكه، مما يؤدي إلى فقدان الوزن رغم زيادة الشهية في بعض الأحيان، أو فقدان الشهية في حالات أخرى.

مرض السكري غير المتحكم فيه

في مرض السكري غير المتحكم فيه، لا يستطيع الجسم استخدام الجلوكوز (سكر الدم) كمصدر للطاقة بشكل فعال. يبدأ الجسم في حرق الدهون والعضلات للحصول على الطاقة، مما يؤدي إلى فقدان الوزن.

الأمراض المعدية

بعض الأمراض المعدية المزمنة يمكن أن تستنزف طاقة الجسم وتؤثر على الشهية.

فيروس نقص المناعة البشرية (HIV/AIDS)

في مراحله المتقدمة، يمكن أن يؤدي فيروس نقص المناعة البشرية إلى فقدان الوزن الشديد، والذي يُعرف أحيانًا باسم “الهزال”. يحدث هذا بسبب تأثير الفيروس المباشر على خلايا الجسم، بالإضافة إلى العدوى الانتهازية التي قد تصيب الجهاز الهضمي.

السل (Tuberculosis)

السل هو مرض بكتيري يصيب الرئتين بشكل أساسي، ولكنه قد يؤثر على أجزاء أخرى من الجسم. يؤدي إلى فقدان الشهية، والإرهاق، وفقدان الوزن.

أمراض أخرى

* **أمراض القلب:** في حالات قصور القلب المتقدم، قد يعاني المريض من فقدان الشهية ونقص الوزن بسبب تراكم السوائل في البطن وتأثير المرض على وظائف الأعضاء.
* **أمراض الكلى المزمنة:** يمكن أن تؤدي هذه الأمراض إلى تراكم السموم في الجسم، والشعور بالغثيان، وفقدان الشهية، مما ينتج عنه نقص الوزن.
* **أمراض الكبد:** يمكن أن تؤثر أمراض الكبد على عملية الأيض والهضم، مما يؤدي إلى فقدان الوزن.
* **بعض أنواع السرطان:** العديد من أنواع السرطان، خاصة في مراحلها المتقدمة، تسبب فقدان الشهية ونقص الوزن كأعراض رئيسية.

الأسباب النفسية والعصبية لنقص الوزن وفقدان الشهية

لا يقتصر نقص الوزن وفقدان الشهية على الأسباب الجسدية فقط، بل تلعب العوامل النفسية دورًا كبيرًا ومؤثرًا في هذه المشكلة.

اضطرابات الأكل

تعتبر اضطرابات الأكل من الأسباب النفسية الشائعة جدًا لفقدان الوزن.

فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa)

هذا الاضطراب يتميز بالخوف الشديد من زيادة الوزن، والتشوه في صورة الجسم، وتقييد شديد في تناول الطعام. يعاني المصابون به من رؤية لأنفسهم بأنهم “سمينون” حتى لو كانوا يعانون من نقص شديد في الوزن.

الشره العصبي (Bulimia Nervosa)

على الرغم من أن فقدان الوزن ليس السمة المميزة للشره العصبي بنفس درجة فقدان الشهية العصبي، إلا أن دورات الأكل المفرط تتبعها سلوكيات تعويضية مثل التقيؤ المتعمد أو استخدام الملينات، والتي يمكن أن تؤدي إلى مشاكل صحية وفقدان الوزن في بعض الحالات.

الاكتئاب والقلق

يعتبر الاكتئاب من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا التي تؤثر على الشهية. يمكن أن يؤدي الشعور بالحزن العميق، وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، إلى انعدام الرغبة في تناول الطعام. وبالمثل، يمكن أن تسبب اضطرابات القلق الشديدة شعورًا بالغثيان وفقدان الشهية.

الضغوط النفسية والإجهاد

التعرض لضغوط نفسية شديدة، سواء كانت بسبب مشاكل العمل، أو العلاقات الشخصية، أو الأحداث الحياتية الصعبة، يمكن أن يؤثر بشكل كبير على وظائف الجسم، بما في ذلك الشهية. قد يجد البعض صعوبة في تناول الطعام عند الشعور بالتوتر الشديد.

الصدمات النفسية

الصدمات النفسية، مثل فقدان شخص عزيز أو التعرض لحدث مؤلم، يمكن أن تسبب تغيرات جذرية في السلوك والشهية، مما يؤدي إلى نقص الوزن.

العوامل المتعلقة بنمط الحياة والأدوية

بالإضافة إلى الأسباب الجسدية والنفسية، هناك عوامل أخرى مرتبطة بنمط الحياة أو الأدوية قد تسهم في نقص الوزن وفقدان الشهية.

الآثار الجانبية للأدوية

العديد من الأدوية، بما في ذلك بعض مضادات الاكتئاب، وأدوية العلاج الكيميائي، وأدوية علاج الغدة الدرقية، يمكن أن تسبب فقدان الشهية والغثيان كآثار جانبية.

التدخين والكحول

الإفراط في تناول الكحول يمكن أن يؤثر على امتصاص العناصر الغذائية وشهية الفرد. كما أن التدخين قد يقلل من حاسة التذوق، مما يجعل الطعام أقل جاذبية.

الشيخوخة

مع التقدم في العمر، قد تحدث تغيرات طبيعية في حاسة التذوق والشم، وقد تتأثر الهرمونات المسؤولة عن الشهية، مما يؤدي إلى انخفاض الرغبة في تناول الطعام.

متى يجب استشارة الطبيب؟

من الضروري جدًا عدم إهمال أي فقدان ملحوظ وغير مبرر للوزن. إذا لاحظت أنك تفقد وزنًا بسرعة دون محاولة، أو أن شهيتك منعدمة لفترة طويلة، فمن الأفضل استشارة طبيبك. التقييم الطبي الشامل يمكن أن يساعد في تحديد السبب الكامن وراء هذه المشكلة، سواء كان جسديًا أو نفسيًا، ومن ثم وضع خطة علاج مناسبة لاستعادة صحتك ووزنك الطبيعي. إن التدخل المبكر غالبًا ما يؤدي إلى نتائج أفضل ويمنع تطور المضاعفات.