حكم اتيان الزوجة من الدبر في المذهب المالكي

كتبت بواسطة نجلاء
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 11:27 صباحًا

حكم اتيان الزوجة من الدبر في المذهب المالكي: تفصيل وتحليل

تُعد العلاقة الزوجية، بما تحتويه من جوانب فقهية واجتماعية، من الموضوعات التي شغلت بال العلماء والفقهاء عبر العصور. ومن بين هذه الجوانب، يبرز سؤال حول حكم إتيان الزوجة من الدبر في المذهب المالكي، وهو موضوع ذو حساسية ويتطلب تفصيلاً دقيقاً واستناداً إلى الأصول الشرعية والأدلة الفقهية. يسعى هذا المقال إلى استعراض هذا الحكم بعمق، مع التركيز على الآراء المختلفة والتعليلات الفقهية في المذهب المالكي، وتقديم تحليل شامل يلامس الأبعاد الشرعية والاجتماعية لهذا الموضوع.

المنطلق الشرعي والنظرة العامة في المذهب المالكي

يبدأ تناول أي مسألة فقهية بالعودة إلى النصوص الشرعية الأساسية، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وفي مسألة إتيان الزوجة من الدبر، لا يوجد نص صريح في القرآن الكريم يحرمها بشكل مباشر، وكذلك الحال في السنة النبوية، حيث تباينت الروايات وتعددت تفسيرات العلماء لها. هذا التباين في النصوص هو ما فتح الباب للاجتهادات الفقهية والاختلافات بين المذاهب.

في المذهب المالكي، يُعتبر هذا الفعل من الأمور المكروهة تحريماً، وهو ما يعني أنه محرم شرعاً وإن لم يصل إلى درجة التحريم القاطع الذي يترتب عليه الكفر أو الفسق المغلظ. وتستند هذه الكراهة إلى عدة أسباب وتعليلات فقهية.

التعليلات الفقهية للكراهة في المذهب المالكي

تتعدد الأسباب التي استند إليها فقهاء المذهب المالكي في القول بكراهة هذا الفعل، ومن أبرزها:

1. مخالفة الفطرة الإنسانية والآداب الشرعية

يرى العديد من فقهاء المالكية أن إتيان الزوجة من الدبر يُعد خروجاً عن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها. فالطريق الطبيعي للعلاقة الزوجية هو المقدم، وأن التنكيب يُعد مخالفة لهذه الطبيعة. كما أن بعضهم يرى أن فيه تشبهاً بفعل قوم لوط، وإن كان هذا التشبيه محل نقاش وتفصيل بين العلماء.

2. الأضرار الصحية المحتملة

على الرغم من أن المذهب المالكي لا يجعل التحريم قائماً على الأضرار الصحية بشكل أساسي، إلا أن بعض الفقهاء أشاروا إلى احتمالية حدوث أضرار صحية نتيجة لهذا الفعل، مثل انتقال الأمراض أو حدوث التهابات. وتُعد هذه الأضرار سبباً إضافياً لعدم استحسان الفعل، وإن لم تكن السبب الرئيسي في تحريمه أو كراهته.

3. اعتبار الدبر موضع قذارة

يُعتبر الدبر موضع خروج النجاسة، ولذلك فإن إتيانه يُعد تعريضاً للنفس وللشريك للنجاسة. وهذا يُنافي مقاصد الطهارة والنظافة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية.

4. التأثير على مقاصد النسل والتناسل

يرى بعض الفقهاء أن مقاصد الزواج الأساسية تشمل التناسل وإعمار الأرض، وإتيان الدبر قد يُعيق هذه المقاصد، خاصة إذا كان ذلك يؤدي إلى عزوف عن العلاقة الطبيعية أو يسبب ألماً للزوجة.

آراء الفقهاء المالكية وتفصيلاتها

لم يكن الموقف في المذهب المالكي موحداً تماماً، بل تباينت عبارات الفقهاء في التعبير عن الحكم، فمنهم من صرح بالكراهة التحريمية، ومنهم من اكتفى بالكراهة التنزيهية، مع الميل العام نحو التحريم أو الكراهة الشديدة.

* **الشيخ خليل بن إسحاق:** في كتابه “مختصر خليل”، وهو من أهم المتون المالكية، لم يرد ذكر صريح لهذه المسألة في باب أحكام النكاح. ولكن عند الرجوع لشروحات المختصر، نجد أن فقهاء المالكية المتأخرين استنبطوا الحكم من مبادئ عامة في المذهب.
* **الإمام النووي (في شرحه لصحيح مسلم):** على الرغم من أنه ليس مالكياً، إلا أن نقله عن فقهاء المذاهب الأخرى، بما في ذلك المالكية، يُعد مرجعاً مهماً. وقد أشار إلى أن المالكية، وغيرهم من الفقهاء، يكرهون إتيان المرأة في دبرها.
* **ابن رشد الجد:** في كتابه “مقدمات الممهدات”، لم يتعرض لهذه المسألة بشكل مباشر. ولكن مبادئ فقهه العام، التي ترتكز على النصوص والأصول، تدعم القول بالكراهة.
* **ابن القيم الجوزية:** في “تحفة المولود”، أورد خلاف الفقهاء في المسألة، ونقل عن المالكية القول بكراهتها.

الفرق بين الكراهة التحريمية والتنزيهية

من المهم التمييز بين الكراهة التحريمية والتنزيهية. فالكراهة التحريمية قريبة من التحريم، حيث ينهى عنها الشارع نهياً قوياً، وتركها أفضل من فعلها، مع عدم وجود إثم في فعلها عند بعض العلماء، ولكن المشهور هو وجود الإثم. أما الكراهة التنزيهية، فهي أقل شدة، حيث يندب تركها، وفعلها مكروه تنزيهاً، ولا إثم في فعلها.

المشهد الغالب لدى فقهاء المالكية هو الميل إلى اعتبار هذا الفعل مكروهاً تحريماً، لما فيه من مخالفة للمعنى الشرعي والمقاصد الزوجية.

المرأة كطرف في العلاقة: حقها ورضاها

تُعد مسألة رضا الزوجة عاملاً مهماً في أي علاقة زوجية، وفي هذه المسألة تحديداً، يبرز جانب هام وهو حق الزوجة في الامتناع عن هذا الفعل. فإذا كان الزوج يصر على ذلك، ولم تكن الزوجة راضية، فإن هذا يُعد تعدياً على حقوقها، بل قد يدخل في باب الإيذاء.

والمذهب المالكي، كغيره من المذاهب، يشدد على ضرورة أن تكون العلاقة الزوجية مبنية على المودة والرحمة، وعلى حسن العشرة بين الزوجين. ولا يمكن أن تتحقق هذه المقاصد إذا كان أحد الطرفين مكرهاً أو مجبراً على أمر لا يرضاه.

مفاسد إكراه الزوجة

* **الضرر النفسي:** إجبار الزوجة على فعل لا تريده يسبب لها ألماً نفسياً وكرهاً للعلاقة الزوجية.
* **الضرر الجسدي:** قد يكون الفعل مؤلماً للزوجة، مما يسبب لها ضرراً جسدياً.
* **الإخلال بمقاصد الزواج:** الزواج مبني على الرضا المتبادل، وإكراه أحد الطرفين يهدم هذه الأسس.

لذلك، فإن أي ممارسة جنسية بين الزوجين يجب أن تتم برضاهما الكامل، وأن تراعي حقوق وكرامة كل منهما.

خاتمة: التأكيد على الوسطية والتيسير

في ختام هذا الاستعراض، يتضح أن المذهب المالكي، كغيره من المذاهب الفقهية، يتعامل مع هذه المسألة بحذر، ويُميل إلى كراهتها تحريماً. ولا يعني ذلك التشديد المخل، بل هو سعي للحفاظ على مقاصد الشريعة في إقامة علاقة زوجية صحيحة وسليمة، مبنية على الفطرة السليمة، والاحترام المتبادل، وحسن العشرة.

يجب على الأزواج أن يتشاوروا ويتفاهموا في أمورهم الخاصة، وأن يرجعوا إلى أهل العلم عند الحاجة، وأن يجعلوا رضا الله تعالى غايتهم، ورضا بعضهم البعض وسيلة لذلك. فالتيسير ورفع الحرج من سمات الشريعة الإسلامية، ولكن ذلك لا يعني أبداً التساهل في المسائل التي تتعلق بالأصول والمبادئ.

الأكثر بحث حول "حكم اتيان الزوجة من الدبر في المذهب المالكي"

اترك التعليق