حكم اتيان الزوجة من الدبر عند الاباضية

كتبت بواسطة محمود
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 11:28 صباحًا

حكم اتيان الزوجة من الدبر عند الإباضية: نظرة فقهية معمقة

تُعد مسألة العلاقة الزوجية من القضايا التي حظيت باهتمام بالغ في الفقه الإسلامي، لما لها من أهمية في بناء الأسرة والحفاظ على استقرارها. ومن بين التفاصيل الدقيقة التي تطرقت إليها النصوص الشرعية والآراء الفقهية، تأتي مسألة كيفية إتيان الزوجة، والتي تتضمن تفصيلات تتعلق بالوضعيات وطرق المعاشرة. في هذا السياق، تبرز مسألة إتيان الزوجة من الدبر، وهي مسألة تثير الكثير من التساؤلات والنقاشات، ولها موقف محدد في المذاهب الفقهية المختلفة. وسنركز في هذا المقال على استعراض الموقف الفقهي للمذهب الإباضي تجاه هذه المسألة، مع تقديم شرح وافٍ لأدلته ومستنداته.

الموقف العام للإباضية من إتيان الزوجة من الدبر

يُعرف المذهب الإباضي بمنهجه الوسطي واعتداله في استنباط الأحكام الشرعية، معتمداً في ذلك على القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، بالإضافة إلى قواعد الأصول المستمدة من الفكر الإباضي. وفيما يتعلق بمسألة إتيان الزوجة من الدبر، فإن الرأي السائد والمستقر في المذهب الإباضي هو **المنع أو الكراهة الشديدة**. ويرجع هذا الموقف إلى مجموعة من النصوص الشرعية التي يُستدل بها، بالإضافة إلى اعتبارات صحية واجتماعية ونفسية تُراعى في إطار الفقه الإباضي.

الأدلة الشرعية المستندة في المنع أو الكراهة

يعتمد الفقهاء الإباضية في رأيهم هذا على عدة أدلة شرعية، أبرزها ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية.

الاستدلال بالآية القرآنية: “نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ”

تُعد هذه الآية الكريمة من أبرز الآيات التي يُستدل بها في مسألة العلاقة الزوجية. وقد فُسرت على نطاق واسع في المذاهب الإسلامية، بما في ذلك المذهب الإباضي. يرى الإباضية أن قوله تعالى “أَنَّى شِئْتُمْ” لا يعني الإطلاق المطلق، بل هو مقيد بما هو معروف ومعهود في الشرع والخلق، والذي لا يتعارض مع مقاصد الزواج وغايته الأساسية وهي الإنجاب والنسل. فالآية تمنح الزوج حرية التصرف في كيفية المعاشرة، ولكن هذه الحرية ليست مطلقة، بل يجب أن تلتزم بالضوابط الشرعية والأخلاقية. ويرى بعض الفقهاء الإباضية أن الدبر ليس موضعاً للحرث، وبالتالي فإن إتيانها لا يندرج تحت المعنى المقصود من الآية، وهو ما يدعم جانب الكراهة أو المنع.

الاستدلال بالأحاديث النبوية

توجد أحاديث نبوية وردت في هذا السياق، وعلى الرغم من اختلاف طرق روايتها ودرجات صحتها، إلا أن بعضها يُعتمد عليه في المذهب الإباضي لتدعيم الرأي بعدم جواز إتيان الزوجة من الدبر. ومن هذه الأحاديث ما يُشير إلى لعن من يأتي امرأته في دبرها. وإن كان هناك خلاف بين المذاهب حول درجة صحة هذه الأحاديث أو تفسيرها، إلا أن الإباضية يميلون إلى الأخذ بما يُعزز جانب التحفظ والابتعاد عن ما قد يُعتبر محرماً أو مكروهاً.

الاعتبارات الفقهية والصحية والاجتماعية

لا يقتصر الموقف الفقهي للإباضية على الأدلة النصية فقط، بل يتعداه ليشمل اعتبارات أخرى تُعزز هذا الرأي.

الاعتبارات الصحية

يُشير الفقهاء الإباضية، وغيرهم من الفقهاء، إلى المخاطر الصحية المحتملة المرتبطة بإتيان الزوجة من الدبر. فالجهاز الهضمي يختلف عن الجهاز التناسلي، وإدخال أي شيء في الدبر قد يؤدي إلى مشاكل صحية، مثل الالتهابات، أو التمزقات، أو نقل الجراثيم. وفي إطار اهتمام الفقه الإسلامي بالمحافظة على النفس والصحة، فإن أي ممارسة قد تُعرض الإنسان للخطر الصحي تُعتبر مكروهة أو محرمة.

الاعتبارات الاجتماعية والأخلاقية

يرى بعض الفقهاء الإباضية أن إتيان الزوجة من الدبر قد يُفضي إلى اعتبارات اجتماعية وأخلاقية سلبية. فهو قد يُخرج العلاقة الزوجية عن إطارها الطبيعي الذي يهدف إلى الاستقرار والتناسل، وقد يُسبب نفوراً لدى الزوجة، أو يُفقد العلاقة الحميمية معناها وقيمتها. كما أن بعض الآراء تُشير إلى أن هذا الفعل قد يُشبه أفعالاً معينة تُعتبر منافية للفطرة أو للسلوك السوي.

الخلافات والتفصيلات داخل المذهب

على الرغم من أن الرأي السائد في المذهب الإباضي هو المنع أو الكراهة الشديدة، إلا أنه قد توجد بعض التفصيلات أو الآراء الأقل شيوعاً داخل المذهب. بعضهم قد يرى أن الأمر يعتمد على رضا الزوجة، أو قد يفرق بين حالات معينة. ولكن بشكل عام، فإن الاتجاه العام والأكثر رسوخاً هو التحفظ الشديد والابتعاد عن هذا الفعل.

الخلاصة: التزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية

في ختام هذا الاستعراض، يتضح أن المذهب الإباضي يتخذ موقفاً حذراً تجاه مسألة إتيان الزوجة من الدبر، حيث يميل إلى المنع أو الكراهة الشديدة، مستنداً في ذلك إلى نصوص شرعية، واعتبارات صحية واجتماعية وأخلاقية. وهذا الموقف يعكس حرص المذهب على الحفاظ على قدسية العلاقة الزوجية، وضمان سلامة الأفراد، والالتزام بالضوابط التي تضمن استقرار الأسرة والمجتمع. إن فهم هذه الآراء الفقهية يتطلب تدبراً عميقاً للنصوص والأصول، مع مراعاة السياق الزمني والثقافي الذي وردت فيه.

الأكثر بحث حول "حكم اتيان الزوجة من الدبر عند الاباضية"

اترك التعليق