حكم إتيان الزوجة من الدبر

كتبت بواسطة مروة
نشرت بتاريخ : الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 - 10:13 مساءً

إن العلاقة الزوجية، بما تحمله من معاني الألفة والمودة والسكينة، تعتبر من أسمى الروابط الإنسانية. يهدف الزواج في الإسلام، قبل كل شيء، إلى تحقيق مقاصد عظيمة تشمل استقرار المجتمع، وتكثير النسل، وتحقيق السكن النفسي والجسدي بين الزوجين. ومن هذا المنطلق، تتجلى أهمية فهم الحدود الشرعية والأخلاقية التي تحكم هذه العلاقة، لضمان سيرها في إطار يرضي الله تعالى ويحفظ حقوق جميع الأطراف. في هذا السياق، يبرز موضوع حكم إتيان الزوجة من الدبر كقضية تستدعي البيان والتفصيل، نظراً لما ورد فيها من آراء واجتهادات فقهية، وما قد يحيط بها من تساؤلات وأفهام. إن تناول هذا الموضوع بعمق ومن منظور شرعي دقيق، يعكس حرص الشريعة الإسلامية على تنظيم أدق تفاصيل الحياة الزوجية، وتقديم الإرشاد اللازم للزوجين.

مفهوم إتيان الزوجة من الدبر

إن إتيان الزوجة من الدبر، والذي يُعرف أيضاً بالدبر أو الإدبار، يشير إلى الممارسة الجنسية التي تتم في مخرج البراز. وهو أمر يختلف عن الموطئ وهو إتيانها في القبل (الفرج). وتكمن أهمية التمييز بين هذين الأمرين في السياق الشرعي، حيث أن لكل منهما حكمه الخاص وآثاره المترتبة عليه.

التعريف اللغوي والاصطلاحي

لغويًا، الدبر هو عكس القُبُل، ويعني آخر الشيء ومؤخره. واصطلاحًا، هو الوطء في حلقة الدبر.

السياق الشرعي للرغبة والشهوة

تُعد الشهوة جزءًا فطريًا من طبيعة الإنسان، وهي محرك أساسي للعلاقة الزوجية. والشريعة الإسلامية لم تُحرّم الشهوة بحد ذاتها، بل نظمتها ووضعت لها ضوابط واضحة. والنصوص الشرعية قد تطرقت إلى أنواع العلاقات الجنسية المباحة بين الزوجين، مع وضع إشارات ضمنية أو صريحة لما قد يكون غير مقبول شرعًا أو أخلاقًا.

حكم إتيان الزوجة من الدبر في الفقه الإسلامي

لقد اختلف الفقهاء في حكم إتيان الزوجة من الدبر، وهذا الاختلاف يعكس تباينًا في فهم النصوص وتنزيلها على الواقع. ونستعرض هنا أبرز الآراء وأدلتها:

الرأي القائل بالتحريم

ذهب فريق من الفقهاء إلى القول بتحريم إتيان الزوجة من الدبر. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها:

أدلة التحريم

الآيات القرآنية: استدل بعضهم بما جاء في سورة البقرة: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[البقرة: 223]. وقد فُسرت حرث لكم بأنها موضع الولد، أي الفرج، مما يدل على أن الوطء مشروع في الفرج دون غيره.
الأحاديث النبوية: هناك أحاديث وردت في النهي عن إتيان النساء في أدبارهن. وإن كان بعضها ضعيفًا أو مختلفًا في صحته، إلا أن مجموعها يقوي جانب التحريم عند بعض الفقهاء. مثل الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ملعون من أتى امرأة في دبرها وهذا الحديث وإن اختلف في صحته، إلا أن له شواهد عند بعض العلماء، ويرون أن الأخذ به احترازاً أولى.
القياس على المحرمات: قاسه بعضهم على محرمات أخرى لما فيه من إضرار وذهاب للمروءة.
أقوال الصحابة والتابعين: نقل عن بعض الصحابة والتابعين المنع من ذلك، مثل ابن عباس وغيره، وإن كان هنالك روايات أخرى عنهم تفيد بالإباحة.

الرأي القائل بالكراهة

يرى فريق آخر من الفقهاء أن إتيان الزوجة من الدبر مكروه تحريمًا أو تنزيهًا، وليس حراماً مطلقاً. ويستندون في ذلك إلى:

أدلة الكراهة

تأويل الآية: يرون أن قوله تعالى: {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يدل على مطلق الإتيان في الفرج، وأنه لا يقصر على موضع معين داخل الفرج، وأن التقييد بالدبر خروج عن ظاهره.
الأحاديث: يشيرون إلى أن الأحاديث الواردة بالنهي إما ضعيفة السند لا يحتج بها، أو أن النهي فيها محمول على الكراهة الشديدة لكونه خلاف السنة والمروءة، وليس التحريم الجازم.
مفهوم حرث لكم: يفسرون حرث لكم بأنها تفيد بأن موضع الإنجاب هو الفرج، وأن هذا هو المقصود من النكاح، وأن إتيان الدبر ليس من هذا المقصد الأساسي، ولكنه لا يأخذ حكم المباشرة للفرج.
مصلحة الزوجين: يرون أن النصوص الشرعية تأتي لتحقيق مصلحة الأسرة والمجتمع، وأن ترك الأمر للزوجين مع وجود ضوابط أخلاقية قد يكون أولى إذا لم يترتب عليه ضرر بين.

الرأي القائل بالإباحة

وهناك قلة من الفقهاء من ذهبوا إلى القول بالإباحة المطلقة. وهم يستدلون بما يلي:

أدلة الإباحة

العموم في قوله تعالى: {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، يرون أن هذه الآية عامة وجاملة، وأنها لم تخصص موضعًا دون آخر داخل الفرج، بل قد يوسع البعض فهمها ليشمل ما دون الفرج.
مفهوم الحرث الواسع: تفسير حرث بمعنى موضع يبذر فيه، ولكنهم لا يقصرونه على موضع واحد.
عدم ورود نص صريح بالتحريم: يؤكدون على أنه لا يوجد نص قطعي الدلالة صريح في تحريم الفعل، والأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل التحريم.
الرضا والتراضي: يرون أن الأمر يعود إلى رغبة الزوجين ورضاهما، وأن الشرع لا يتدخل في خصوصيات العلاقة الزوجية بهذا الشكل ما لم يكن هناك ضرر مباشر أو تجاوز لحدود الله.
عدم وجود ضرر مثبت شرعًا: يذكرون أن التحريم يجب أن يكون بناءً على ضرر شرعي مثبت، وليس بناءً على مجرد كراهة أخلاقية أو عدم اعتياد.

الاعتبارات الفقهية والشرعية الأخرى

ما وراء اختلاف الفقهاء في الحكم، توجد اعتبارات هامة يجب أخذها بعين الاعتبار:

مفهوم الحرث والتأويلات الفقهية

كما ذكرنا، فإن الآية {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} محل تفسير. هل الحرث هو موضع الولد فقط (الفم)، أم يشمل ما يمكن أن يؤدي إلى الولد (أي الفرج)؟ وهل أنّى شئتم تعني في أي مكان أو أي وقت، أم تعني بكيفية معينة؟ هذه التأويلات كانت مصدر الاختلاف.

الأحاديث الواردة في المقام: صحتها ودلالتها

تباينت آراء المحدثين في الحكم على صحة الأحاديث الواردة في النهي عن إتيان المرأة في دبرها. بعضهم يرى ضعفها وعدم صلاحيتها للاحتجاج، بينما يعتبرها آخرون وإن كانت ضعيفة، إلا أنها تقوى ببعضها البعض، أو أنها وإن لم تصل لدرجة التحريم القطعي، فإنها تكفي لقول بالكراهة الشديدة.

أقوال الصحابة والتابعين وتأثيرها

نقل عن العديد من الصحابة والتابعين أقوال متناقضة في هذا الشأن، مما يعكس صعوبة المسألة وتعدد وجهات النظر بين السلف الصالح أنفسهم. هذا التنوع في الأقوال يفتح الباب للاجتهاد في فهم الحكم الشرعي.

الضرر الصحي والأخلاقي

من الجوانب التي يثيرها هذا الموضوع مسألة الضرر. فمن الناحية الصحية، قد تترتب على هذه الممارسة بعض المخاطر، خاصة إذا لم تكن هناك معرفة كافية بكيفية تفاديها. ومن الناحية الأخلاقية، يرى كثيرون أن هذا الفعل يتنافى مع مقاصد الزواج السامية، ومع الفطرة السليمة.

الموقف المعتدل والتوصيات

في ظل تباين الآراء، يميل كثير من الباحثين المعاصرين إلى ترجيح رأي الكراهة الشديدة، مع جعل الأمر مرتبطًا برضا الزوجة وعدم تضررها.

ترجيح الرأي الوسط

الرأي القائل بالكراهة، مع تفصيل حكمها بين التحريم والتنزيه، يظهر وكأنه أكثر توازنًا؛ فهو يأخذ بالاحتياط الشرعي المستفاد من بعض الأدلة، ويراعي في الوقت ذاته عدم وجود نص صريح وقاطع بالتحريم المطلق، مع الأخذ في الاعتبار مبادئ الشريعة العامة كالتيسير وعدم التشديد لما ليس به ضرر بين.

أهمية التفاهم بين الزوجين

بغض النظر عن الحكم الشرعي الدقيق، فإن جوهر العلاقة الزوجية يقوم على المودة والرحمة. ولا يجوز أن تكون هذه الأمور سببًا في نزاع أو إكراه.

الرضا والتراضي: ينبغي أن تكون جميع الممارسات الجنسية مبنية على الرضا التام بين الزوجين. لا يجوز لأحد الزوجين أن يكره الآخر على فعل لا يرغب فيه.
الحوار والتواصل: إن فتح باب الحوار الصادق بين الزوجين حول رغباتهما وحدودهما، ومعرفة ما يريح كل طرف وما قد يسبب له الضيق، هو المفتاح لعلاقة صحية وسعيدة.
الاستشارة الرشيدة: في حال وجود خلاف أو حيرة، فإن اللجوء إلى أهل العلم الموثوقين، أو المتخصصين في الاستشارات الأسرية، قد يكون حلاً مناسبًا.

تجنب الضرر والإفراط

المهم في أي ممارسة جنسية ضمن إطار الزواج هو أنها لا تسبب ضررًا للطرف الآخر، سواء كان ضررًا صحيًا، نفسيًا، أو أخلاقيًا. كما أن الاعتدال والبعد عن الإفراط في أي أمر هو من الهدي النبوي.

الخاتمة

في الختام، يمكن القول بأن مسألة حكم إتيان الزوجة من الدبر مسألة خلافية بين فقهاء الأمة. وبينما يتجه فريق إلى التحريم، يميل آخرون إلى الكراهة، وهناك من يرى الإباحة. الحق أن الشريعة الإسلامية في جوهرها تسعى لتحقيق المصالح ودرء المفاسد. وعليه، فإن الأخذ بالرأي الاحتياطي والأكثر تحفظًا، وهو الكراهة الشديدة، مع التأكيد على أن أي ممارسة في هذا السياق يجب أن تتم بالتراضي الكامل بين الزوجين، وبدون إكراه أو ضرر، هو ما يتفق مع مقاصد الشريعة وروح العلاقة الزوجية. ويبقى الحوار والتفاهم المتبادل بين شريكي الحياة هو الأساس لبناء علاقة زوجية متينة وسعيدة، تحقق السكينة والمودة التي أرادها الله بين الزوجين.

اترك التعليق