الحمل مع الرضاعه وانقطاع الدوره

كتبت بواسطة سعاد
نشرت بتاريخ : الجمعة 7 نوفمبر 2025 - 6:01 مساءً

الحمل والرضاعة وانقطاع الدورة: فهم التفاعل المعقد بين الأمومة والجسد

تُعد فترة ما بعد الولادة وما يصاحبها من رضاعة طبيعية رحلة استثنائية في حياة المرأة، تتسم بتغيرات جسدية ونفسية عميقة. ومن بين أبرز هذه التغيرات، يبرز انقطاع الدورة الشهرية، وهو ظاهرة فسيولوجية طبيعية تُعرف بـ “الأمّنوريا النفاسية” أو “أمينوريا الرضاعة”. هذه الحالة، التي قد تبدو مربكة للبعض، هي في الواقع آلية متطورة تخدم أغراضًا بيولوجية مهمة، وتتفاعل مع احتمالية الحمل المبكر بطرق تستدعي فهمًا دقيقًا.

الأمينوريا النفاسية: حكمة الطبيعة في خدمة الأمومة

تُعرف الأمينوريا النفاسية بانقطاع الدورة الشهرية بعد الولادة، وغالبًا ما تستمر طوال فترة الرضاعة الطبيعية. تعود هذه الظاهرة إلى التأثيرات الهرمونية المعقدة التي تحدث بعد الحمل والولادة. فخلال فترة الحمل، ترتفع مستويات هرمونات مثل البرولاكتين والإستروجين والبروجستيرون، مما يمنع التبويض والدورة الشهرية. وبعد الولادة، يستمر إنتاج البرولاكتين، الهرمون المسؤول عن إنتاج الحليب، في مستويات عالية، خاصة مع الرضاعة الطبيعية المنتظمة.

آلية عمل البرولاكتين

يعمل البرولاكتين بشكل أساسي على تثبيط إفراز الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH) من منطقة ما تحت المهاد في الدماغ. بدوره، يؤثر GnRH على الغدة النخامية لإفراز الهرمون المنشط للحوصلة (FSH) والهرمون الملوتن (LH)، وهما الهرمونان الضروريان لتحفيز نمو البويضات والتبويض. عندما تكون مستويات البرولاكتين مرتفعة بسبب الرضاعة، فإن هذا يقلل من إفراز FSH و LH، وبالتالي يمنع التبويض والدورة الشهرية.

عوامل تؤثر على مدة انقطاع الدورة

تختلف مدة انقطاع الدورة الشهرية من امرأة لأخرى، وتعتمد على عدة عوامل رئيسية:

  • تكرار وشدة الرضاعة: كلما كانت الرضاعة طبيعية منتظمة وحصرية (أي عدم الاعتماد على الحليب الصناعي أو إدخال الأطعمة الصلبة مبكرًا)، زادت احتمالية استمرار انقطاع الدورة لفترة أطول. الرضاعة المتكررة، خاصة خلال الليل، تحافظ على مستويات البرولاكتين مرتفعة.
  • إدخال الأطعمة الصلبة: مع إدخال الأطعمة الصلبة للطفل وتقليل الاعتماد على الرضاعة الطبيعية، تبدأ مستويات البرولاكتين في الانخفاض تدريجيًا، مما قد يؤدي إلى عودة التبويض والدورة الشهرية.
  • توقف الرضاعة: بمجرد توقف الأم عن الرضاعة تمامًا، تعود مستويات الهرمونات إلى طبيعتها، وتستأنف الدورة الشهرية عادة في غضون أسابيع قليلة.
  • الاختلافات الفردية: تلعب الاستجابة الهرمونية الفردية دورًا هامًا. بعض النساء قد تعود لديهن الدورة الشهرية بسرعة نسبيًا حتى مع الرضاعة، بينما قد تستمر لدى أخريات لفترة أطول.

الرضاعة كوسيلة طبيعية لتحديد النسل (LAM)

في ظل انقطاع الدورة الشهرية الناتج عن الرضاعة، ظهر مفهوم “طريقة الرضاعة الطبيعية لتحديد النسل” (Lactational Amenorrhea Method – LAM). هذه الطريقة، التي تعتمد على ثلاث معايير أساسية، يمكن أن تكون فعالة جدًا في منع الحمل في الأشهر الستة الأولى بعد الولادة:

  • أن تكون الدورة الشهرية لم تعد بعد.
  • أن تكون الأم ترضع طفلها رضاعة طبيعية حصرية (لا يقل عن كل 4 ساعات خلال النهار وكل 6 ساعات خلال الليل).
  • أن يكون عمر الطفل أقل من 6 أشهر.

تعتمد فعالية LAM على أن الاستمرار في الرضاعة الطبيعية المنتظمة يحافظ على مستويات البرولاكتين مرتفعة، مما يمنع التبويض. ومع ذلك، من الضروري التأكيد على أن هذه الطريقة ليست مضمونة بنسبة 100%، وأن عودة التبويض قد تحدث قبل عودة الدورة الشهرية. لذلك، يُنصح دائمًا بالتشاور مع أخصائي الرعاية الصحية لمناقشة خيارات تحديد النسل المناسبة.

متى يجب القلق بشأن انقطاع الدورة؟

في معظم الحالات، يعتبر انقطاع الدورة الشهرية خلال فترة الرضاعة الطبيعية أمرًا طبيعيًا وغير مقلق. ومع ذلك، هناك بعض الحالات التي تستدعي استشارة طبية:

  • استمرار انقطاع الدورة لأكثر من 18 شهرًا بعد الولادة، خاصة إذا كانت الأم لا ترضع طبيعيًا بشكل حصري أو بدأت في إدخال الأطعمة الصلبة.
  • عودة الدورة الشهرية ثم انقطاعها مرة أخرى دون سبب واضح.
  • وجود أعراض أخرى مثل آلام شديدة، نزيف غير طبيعي، أو أي تغيرات مقلقة في الجسم.

يمكن لهذه الأعراض أن تشير إلى مشاكل هرمونية أخرى أو حالات طبية تتطلب التقييم والعلاج.

احتمالية الحمل أثناء الرضاعة وانقطاع الدورة

على الرغم من أن الرضاعة الطبيعية وانقطاع الدورة الشهرية يوفران مستوى معينًا من الحماية من الحمل، إلا أن احتمالية الحمل المبكر تظل قائمة. كما ذكرنا، قد يحدث التبويض قبل عودة الدورة الشهرية. هذا يعني أن المرأة قد تكون قادرة على الحمل مرة أخرى حتى قبل أن تلاحظ أول دورة شهرية بعد الولادة.

تأثير الحمل الجديد على الرضاعة

إذا حدث حمل جديد أثناء الرضاعة، فقد تواجه الأم بعض التحديات. قد تؤدي التغيرات الهرمونية المصاحبة للحمل الجديد إلى انخفاض إنتاج الحليب، أو قد تشعر الأم بالإرهاق الشديد. في بعض الحالات، قد يكون من الممكن الاستمرار في الرضاعة الطبيعية للطفل الأكبر سنًا، ولكن هذا يتطلب تخطيطًا دقيقًا واستشارة طبية.

التحديات النفسية والجسدية

تُعد فترات الحمل المتتالية أو الحمل أثناء الرضاعة تجربة جسدية ونفسية مرهقة. تحتاج الأم إلى دعم كبير من شريكها وعائلتها، وإلى رعاية صحية متخصصة لمتابعة حملها وصحتها العامة، بالإضافة إلى تلبية احتياجات طفليها.

نصائح للأمهات المرضعات

  • التغذية السليمة: الحفاظ على نظام غذائي متوازن وغني بالعناصر الغذائية ضروري لدعم صحة الأم وإنتاج الحليب.
  • الراحة الكافية: على الرغم من صعوبة ذلك، فإن الحصول على قسط كافٍ من الراحة يساعد في استعادة طاقة الجسم.
  • الاستشارة الطبية: لا تترددي في استشارة طبيبك أو أخصائي الرضاعة الطبيعية لأي أسئلة أو مخاوف لديك.
  • تحديد النسل: إذا كنتِ ترغبين في تجنب الحمل، ناقشي خيارات تحديد النسل المتاحة مع طبيبك، مع الأخذ في الاعتبار أن LAM لها قيودها.

في الختام، يمثل الحمل والرضاعة وانقطاع الدورة الشهرية تفاعلًا طبيعيًا ومعقدًا في رحلة الأمومة. فهم هذه الآليات، والوعي بالخيارات المتاحة، وطلب الدعم عند الحاجة، كلها أمور أساسية لتمكين الأمهات من اجتياز هذه المرحلة الحيوية بصحة وسلام.

الأكثر بحث حول "الحمل مع الرضاعه وانقطاع الدوره"

اترك التعليق