إجهاض الجنين في الإسلام

كتبت بواسطة هناء
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 9:16 صباحًا

حكم إجهاض الجنين في الإسلام: نظرة شاملة

يُعدّ موضوع إجهاض الجنين من القضايا الشائكة والمعقدة التي شغلت الفكر الإسلامي على مر العصور، حيث تتداخل فيه الأبعاد الشرعية والأخلاقية والصحية والإنسانية. وبينما يحث الإسلام على حفظ النفس وإكرامها، فإنه يضع ضوابط صارمة لمسألة إنهاء حياة الجنين، مستندًا في ذلك إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وإجماع الآراء الفقهية.

موقف الإسلام من حياة الجنين

يُعلي الإسلام من شأن الحياة منذ لحظة انعقادها، ويعتبر الجنين كيانًا له حرمته وكرامته. ففي القرآن الكريم، نقرأ عن خلق الإنسان في أطوار متعددة: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” (المؤمنون: 12-14). هذه الآيات وغيرها تؤكد على عناية الله سبحانه وتعالى بخلق الإنسان وتصويره في مراحل دقيقة، مما يدل على قدسية هذه الحياة المتنامية.

كما أن السنة النبوية تزخر بالأحاديث التي تبين أهمية هذه المرحلة. فمن المعلوم أن نفخ الروح في الجنين يحدث بعد مرور أربعين يومًا، حيث ورد في الحديث الصحيح: “إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح”. وهذا التطور التدريجي يؤكد على أن الجنين في كل مرحلة له حكمه واعتباره.

الضوابط الشرعية لإجهاض الجنين

بناءً على ما تقدم، فإن الأصل في الإجهاض في الإسلام هو التحريم. فلا يجوز للمرأة أن تجهض جنينها لمجرد اختيارها أو تجنب مشقة الحمل أو الولادة، لأن ذلك يُعدّ اعتداءً على النفس التي حرم الله إلا بالحق. ومع ذلك، فإن الشريعة الإسلامية تتسم بالمرونة والواقعية، وقد فتحت باب الترخيص في حالات استثنائية تُشكل ضرورة ملحة أو دفعًا لمفسدة أعظم.

الحالات المبيحة للإجهاض

تُقسم الحالات التي يُرخص فيها بالإجهاض في الفقه الإسلامي إلى قسمين رئيسيين:

1. الإجهاض قبل نفخ الروح (قبل الأربعين يومًا)

تُعدّ هذه المرحلة أخف وطأة من الناحية الشرعية، حيث لم يكتمل خلق الجنين ولم تنفخ فيه الروح. ويرى بعض الفقهاء جواز الإجهاض في هذه المرحلة إذا وُجد عذر شرعي معتبر، مثل:

* **الخوف على صحة الأم:** إذا أثبتت التقارير الطبية الموثوقة أن استمرار الحمل يهدد حياة الأم أو يُلحق بها ضررًا بالغًا لا يمكن تجنبه إلا بالإجهاض. وهذا مبني على قاعدة “ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما”.
* **بعض الحالات المرضية الشديدة:** قد تُعدّ بعض الأمراض الخطيرة التي تُصيب الأم، والتي قد تنتقل إلى الجنين وتُسبب له تشوهات شديدة أو معاناة لا تطاق، من الأعذار المبيحة للإجهاض، بعد استشارة الأطباء المختصين.

2. الإجهاض بعد نفخ الروح (بعد الأربعين يومًا)

تشتد الحرمة ويتأكد التحريم في هذه المرحلة، حيث أصبح الجنين إنسانًا له روح. ولذلك، فإن الترخيص بالإجهاض بعد نفخ الروح يكون أشد قيدًا وأكثر تشديدًا. ولا يُباح إلا في حالة واحدة باتفاق غالبية الفقهاء:

* **ثبوت الضرر البالغ على الأم:** إذا ثبت طبيًا وبشكل قاطع أن استمرار الحمل حتى الولادة سيؤدي إلى هلاك الأم أو مرضها مرضًا عضالًا لا يُرجى شفاؤه، ولم يكن هناك أي بديل آخر. في هذه الحالة، يُقدم إنقاذ حياة الأم على حياة الجنين، استنادًا إلى القاعدة الفقهية “إذا تعارض مفسدتان، روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما”.

اعتبارات مهمة عند الترخيص بالإجهاض

حتى في الحالات التي يُرخص فيها بالإجهاض، لا بد من مراعاة عدة اعتبارات لضمان صحة الحكم الشرعي وسلامته:

* **الاستشارة الطبية المتخصصة:** يجب أن يتم اللجوء إلى أطباء متخصصين وثقات، وأن تكون شهادتهم وإفادتهم واضحة ومؤكدة بشأن الحالة الصحية للأم والجنين.
* **عدم وجود بدائل أخرى:** يجب التأكد من عدم وجود خيارات أخرى يمكن أن تُنقذ الأم أو تُخفف من معاناتها دون اللجوء إلى الإجهاض.
* **موافقة الأم والأب:** في بعض الحالات، قد يُشترط موافقة الأب، خصوصًا إذا كان الإجهاض بعد نفخ الروح.
* **الاستنارة بآراء الفقهاء:** يُنصح دائمًا بالرجوع إلى أهل العلم والاختصاص الشرعي لأخذ الفتوى المناسبة لكل حالة على حدة.

ما بعد الإجهاض

إذا تم الإجهاض، سواء كان مشروعًا أو غير مشروع، فإن هناك أحكامًا تتعلق بالمرأة. ففي حال الإجهاض المشروع، لا شيء عليها. أما في حال الإجهاض غير المشروع، فإنها قد تكون مسؤولة شرعيًا عن فعلتها، وتترتب عليها أحكام مثل الكفارة في بعض الحالات.

خاتمة

إن موقف الإسلام من الإجهاض يتسم بالوسطية والتوازن، فهو يحرم الاعتداء على النفس البريئة، ولكنه يفتح باب الترخيص في الحالات الضرورية التي تُهدد حياة الأم أو تُلحق بها ضررًا بالغًا. وتكمن حكمة التشريع في الحرص على تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، مع مراعاة قدسية الحياة وحرمتها.

اترك التعليق