أدوات نصب الفعل المضارع مع الأمثلة من القران

كتبت بواسطة سعاد
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 11:44 صباحًا

أدوات نصب الفعل المضارع: مفاتيح لفهم بلاغة القرآن الكريم

يمثل الفعل المضارع في اللغة العربية قلب الجملة الفعلية، فهو ينبض بالحياة ويعبر عن الحركة والاستمرارية. ولكن، عندما تدخل عليه أدوات معينة، تتغير حركته الإعرابية وتتحول حالته من الرفع إلى النصب، مما يمنح الجملة بعدًا جديدًا من المعنى والدقة. إن فهم أدوات نصب الفعل المضارع لا يقتصر على كونه ضرورة نحوية، بل هو مفتاح أساسي لفك شفرات بلاغة القرآن الكريم، وفهم عمق معانيه، وإدراك جمالياته اللغوية التي لا تنضب.

في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذا الموضوع النحوي الهام، مستكشفين أدوات النصب بالتفصيل، مع الاستعانة بنور الآيات القرآنية الكريمة كشواهد حية على استخدامها ودلالاتها. سنتجاوز مجرد التعريفات الجامدة لنستشعر كيف تساهم هذه الأدوات في تشكيل المعنى، وتأكيد الأحكام، وإضفاء الإيقاع والجمال على النص القرآني المقدس.

تعريف الفعل المضارع المنصوب وأنواعه

الفعل المضارع هو الذي يدل على حدث يقع في الزمن الحاضر أو المستقبل، وعلامته الأصلية هي الرفع، فيكون مرفوعًا بالضمة الظاهرة أو المقدرة، أو بثبوت النون إذا كان من الأفعال الخمسة. ولكن، عندما يسبقه حرف من حروف النصب، فإنه يتحول إلى فعل مضارع منصوب، وتكون علامة نصبه الفتحة الظاهرة أو المقدرة، أو حذف النون إذا كان من الأفعال الخمسة.

تتنوع أدوات نصب الفعل المضارع بين حروف ظاهرة تؤثر في الفعل مباشرة، وبين أدوات مقدرة لا تظهر إلا من خلال المعنى الذي تحمله. هذا التنوع يمنح اللغة العربية مرونة وقدرة فائقة على التعبير عن أدق التفاصيل.

الأدوات الظاهرة لنصب الفعل المضارع

تُعد الأدوات الظاهرة هي الأكثر شيوعًا والأوضح في التأثير على الفعل المضارع. وهي حروف لا يصح معناها إلا بغيرها، وتعمل على نصب الفعل المضارع الذي يليها مباشرة.

1. أنْ: أداة النصب الأساسية

تُعتبر “أنْ” من أكثر أدوات نصب الفعل المضارع استخدامًا. وهي حرف مصدري ونصب، بمعنى أنها تُؤول مع الفعل المضارع بمصدر، وتفيد في تأكيد المعنى أو جعله في صيغة المصدر.

* **القرآن الكريم شاهدًا:**
* قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} (النساء: 28). هنا، “أنْ” تنصب “يخفف”، وتؤول معها بمصدر تقديره “تخفيفًا”. المعنى: يريد الله تخفيفًا عنكم.
* قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (البقرة: 184). “أنْ” تنصب “تصوموا”، وتؤول معها بمصدر تقديره “صومكم”. المعنى: وصومكم خير لكم.
* قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَفَرَى لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَنِي لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء: 18-22). في هذه الآيات، “أنْ” تنصب “عبّدتني”، وتفيد تأكيد معنى المنة، فهي لا تريد مجرد المصدر بل تريد تأكيد النعمة التي منحها إياه بأن جعله عبدًا له.

2. لنْ: أداة النفي والاستقبال المطلق

“لنْ” حرف نفي ونصب واستقبال، تنصب الفعل المضارع وتفيد نفي وقوع الفعل في المستقبل نفيًا مؤكدًا، لا يحتمل الشك أو الإمكان.

* **القرآن الكريم شاهدًا:**
* قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: 92). “لنْ” هنا تنفي نيل البر بشكل قاطع حتى يتحقق الشرط.
* قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لَنْ أَمْلِكَ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (الأعراف: 188). تأكيد على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعًا أو ضرًا.
* قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ * ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَئِذٍ يَقُولُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَنْ تُؤْتَى لَهُمْ كَبِيرَةٌ} (النحل: 107-119). في هذه الآيات، “لنْ” تنفي أن تُؤتى لهم كبيرة، أي لا يتمكنون من ادعاء أي شيء أو التخلص من تبعات أفعالهم.

3. إذنْ: أداة الجواب والجزاء

“إذنْ” حرف جواب وجزاء ونصب، وتعمل بشروط:
* أن يكون الفعل المضارع بعدها مستقبلًا.
* أن تتقدمها كلام يدل على جواب أو جزاء، مثل: “سأزورك” فتقول: “إذن أكرمك”.
* أن لا يفصل بينها وبين الفعل فاصل.

* **القرآن الكريم شاهدًا:**
* قوله تعالى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ مِنَّا نَصِيرًا} (الإسراء: 75). هنا، “إذنْ” جواب لشرط مقدر تقديره “لو فعلت ذلك”. المعنى: لو عصيتنا، لأذقناك ضعف العذاب.
* قوله تعالى: {قَالَ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} (يوسف: 10-14). “إذنْ” هنا جواب لـ “لئن أكله الذئب”، وهي تؤكد خسارتهم إن حدث ذلك.

4. لام الأمر ولام التعليل ولام الجحود ولام العاقبة

هناك لام التعريف ببعض اللامات التي تنصب الفعل المضارع، ولكل منها دلالتها الخاصة:

* **لام الأمر:** تُستخدم لطلب فعل الشيء، وتكون مجزومة إذا كان المخاطب حاضرًا، ومنصوبة إذا كانت بمعنى “لكي” أو “حتى” أو للمستقبل.
* قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (الطلاق: 7). هنا “اللام” أمر، لكنها منصوبة بالضمير “ن” في “لينفق”. (تنبيه: لام الأمر في الأصل جازمة، ولكن في هذا السياق القرآني قد يُفهم على أنها بمعنى “لكي” أو “حتى”، أو أن هناك تقديرًا، أو أن السياق القرآني قد يحمل معانٍ خاصة. الأرجح أن المقصود هنا هو لام التعليل التي تفيد الغرض. لكن إذا نظرنا إلى “لينفق” كأمر، فهي مجزومة).
* **تصويب وتوضيح:** لام الأمر في الأصل جازمة. الآية التي قد تُفهم على أنها تحمل معنى النصب أو الغرض هي لام التعليل.

* **لام التعليل:** تُفيد بيان سبب وقوع الفعل الذي قبلها، وتنصب الفعل المضارع.
* قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (طه: 14). “اللام” هنا تعليلية، تنصب “أذكر” (تقديرًا). المعنى: أقم الصلاة لأجل ذكري.
* قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (البينة: 5). “اللام” تعليلية تنصب “يعبدوا”.

* **لام الجحود:** تأتي بعد كون منفي، وتفيد الإنكار الشديد، وتنصب الفعل المضارع.
* قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} (آل عمران: 179). “اللام” هنا لام جحود، تنصب “يطلعكم”.
* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِهَذَا الْقُرْآنِ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} (يونس: 37). “اللام” لام جحود تنصب “يفترى”.

* **لام العاقبة:** تفيد بيان نتيجة الفعل، وغالبًا ما تأتي بعد فعل ماض، وتنصب الفعل المضارع.
* قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (القصص: 8). “اللام” هنا تفيد عاقبة التقاط آل فرعون ليوسف، وهي أن يكون لهم عدوًا وحزنًا.

5. حتى: أداة الغاية والتعليل

“حتى” حرف ينصب الفعل المضارع إذا أفاد معنى التعليل أو الغاية (أي إلى أن)، ويشترط أن يكون الفعل بعدها مستقبلًا.

* **القرآن الكريم شاهدًا:**
* قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: 92). “حتى” هنا تفيد الغاية، أي لا تنالوا البر إلا عند إنفاقكم.
* قوله تعالى: {وَاكْفُرْ بِمَا وَرَاءَهُ فَإِنَّهُ حَقٌّ مِن رَّبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ * مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 175-185). في الآية 185، “حتى” تنصب “يكون”، وتفيد الغاية، أي لا يعلمون متى يكون اقتراب أجلهم.

6. فاء السببية وواو المعية

* **فاء السببية:** تنصب الفعل المضارع إذا وقعت في جواب طلب (أمر، نهي، استفهام، تمن، تحضيض

الأكثر بحث حول "أدوات نصب الفعل المضارع مع الأمثلة من القران"

اترك التعليق