من مصادر تلوث مياه البحر

كتبت بواسطة مروة
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 9:28 مساءً

مصادر تلوث مياه البحر: تهديد متزايد لمستقبل كوكبنا

تُعد البحار والمحيطات شريان الحياة لكوكب الأرض، فهي تغطي أكثر من 70% من سطحه، وتلعب دورًا حيويًا في تنظيم المناخ، وتوفير الغذاء، ودعم التنوع البيولوجي الهائل. ومع ذلك، تتعرض هذه النظم البيئية الثمينة لتهديد متزايد يتمثل في التلوث، والذي يهدد سلامتها ووظائفها الحيوية. إن فهم مصادر هذا التلوث هو الخطوة الأولى نحو إيجاد حلول فعالة لحماية هذه الثروة الطبيعية الفريدة.

التلوث الناتج عن الأنشطة البشرية البرية: البصمة السلبية على البحار

تُعد الأنشطة البشرية التي تتم على اليابسة مسؤولة عن الجزء الأكبر من تلوث مياه البحر. تتسلل الملوثات عبر الأنهار، والمصارف، والجريان السطحي، لتصل في النهاية إلى البيئة البحرية.

1. مياه الصرف الصحي غير المعالجة: الخطر الصامت

من أبرز وأخطر مصادر التلوث مياه الصرف الصحي، سواء كانت منزلية أو صناعية، التي تُلقى في المسطحات المائية دون معالجة كافية. تحتوي هذه المياه على مجموعة واسعة من الملوثات، بما في ذلك المواد العضوية، والبكتيريا، والفيروسات، والمواد الكيميائية، والمعادن الثقيلة. عند وصولها إلى البحر، تستهلك المواد العضوية الأكسجين المذاب، مما يؤدي إلى نقص الأكسجين (Hypoxia) الذي يهدد حياة الكائنات البحرية. كما أن الميكروبات المسببة للأمراض يمكن أن تلوث السواحل وتجعل المياه غير آمنة للسباحة أو استهلاك المأكولات البحرية.

2. التلوث الصناعي: سموم في أعماق البحار

تُطلق العديد من الصناعات، مثل مصانع الأدوية، والكيماويات، والتعدين، والمعالجة المعدنية، كميات كبيرة من الملوثات السائلة إلى الأنهار والبحار. تشمل هذه الملوثات المعادن الثقيلة (مثل الزئبق والرصاص والكادميوم)، والمواد الكيميائية السامة (مثل المبيدات الحشرية والمواد البتروكيماوية)، والزيوت والشحوم. تتراكم هذه المواد السامة في السلسلة الغذائية البحرية، مما يؤثر سلبًا على صحة الكائنات البحرية، وقد تصل في النهاية إلى الإنسان عبر استهلاك الأسماك الملوثة.

3. الجريان السطحي الزراعي: عبء المغذيات والمبيدات

تُعد الزراعة، رغم أهميتها، مصدرًا هامًا لتلوث المياه. يؤدي استخدام الأسمدة الكيميائية، وخاصة النيتروجين والفوسفور، إلى زيادة تركيز هذه المغذيات في مياه الأنهار التي تصب في البحار. يؤدي هذا الإفراط في المغذيات إلى ظاهرة “التغذية المفرطة” (Eutrophication)، حيث تنمو الطحالب والنباتات المائية بشكل سريع وغير طبيعي، مكونة ما يعرف بـ “الازدهار الطحلبي”. عند موت هذه الطحالب، تستهلك الكائنات الدقيقة كميات هائلة من الأكسجين، مما يخلق مناطق “ميتة” خالية من الحياة البحرية. بالإضافة إلى ذلك، تتسرب المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب المستخدمة في الزراعة إلى المياه، وتشكل خطرًا مباشرًا على الكائنات البحرية.

4. النفايات الصلبة واللدائن: شبح البلاستيك المتغلغل

تشكل النفايات الصلبة، وخاصة اللدائن، تهديدًا متزايدًا وشديد الخطورة على البيئة البحرية. تُلقى كميات هائلة من القمامة، والتي غالبيتها بلاستيكية، في الأنهار والمحيطات، إما بشكل مباشر أو عبر الرياح والجريان السطحي. لا تتحلل اللدائن في البيئة البحرية بسهولة، بل تتكسر إلى جزيئات أصغر تُعرف بـ “اللدائن الدقيقة” (Microplastics). تبتلع الكائنات البحرية هذه الجسيمات، مما يسبب لها مشاكل هضمية، وإصابات داخلية، وفي النهاية الموت. كما أن اللدائن الدقيقة قد تحمل معها ملوثات أخرى أو تنقلها عبر السلسلة الغذائية.

التلوث البحري المباشر: مخاطر الأنشطة المتعلقة بالبحر

بالإضافة إلى المصادر البرية، هناك أنشطة تحدث مباشرة في البيئة البحرية وتساهم في تلوثها.

1. التسرب النفطي: كوارث بيئية مدمرة

تُعد حوادث التسرب النفطي، سواء من ناقلات النفط أو منصات الحفر البحرية، من الكوارث البيئية الأشد تأثيرًا على مياه البحر. يشكل النفط طبقة تغطي سطح الماء، مما يمنع وصول الأكسجين وأشعة الشمس إلى الكائنات البحرية، ويسبب اختناقًا للكائنات التي تعيش على السطح. كما أن النفط سام للكائنات البحرية، ويؤثر على تكاثرها ونموها، ويلحق أضرارًا بالغة بالشواطئ والطيور البحرية.

2. الصيد الجائر والممارسات غير المستدامة: تدمير النظم البيئية

رغم أن الصيد بحد ذاته ليس تلوثًا مباشرًا بالمعنى التقليدي، إلا أن الممارسات الصيدية غير المستدامة، مثل الصيد الجائر واستخدام الشباك المدمرة، تساهم في تدهور البيئة البحرية. إن تدمير الشعاب المرجانية، وإزالة أنواع معينة بشكل مفرط، يخل بالتوازن الدقيق للنظم البيئية البحرية، ويجعلها أكثر عرضة للتأثيرات السلبية للتلوث. كما أن المخلفات الناتجة عن السفن، مثل الشباك المفقودة، تساهم في مشكلة “النفايات العائمة”.

3. التلوث الضوضائي: إزعاج الحياة البحرية

تمثل الضوضاء الصادرة عن الأنشطة البشرية في البحر، مثل حركة السفن، والمسوحات الزلزالية، والأنشطة العسكرية، مصدرًا متزايدًا للقلق. يمكن لهذه الضوضاء أن تتداخل مع قدرة الثدييات البحرية، مثل الحيتان والدلافين، على التواصل، والتنقل، وتحديد مواقع فرائسها، مما يؤثر سلبًا على بقائها.

التلوث الجوي وتأثيراته البحرية

لا يقتصر تأثير التلوث على ما يصب مباشرة في البحر، بل يمتد ليشمل التلوث الجوي.

1. ترسيب الملوثات الجوية: وصول السموم من السماء

تساهم الملوثات المنبعثة من الأنشطة الصناعية والمركبات في تلوث الهواء. يمكن لهذه الملوثات، مثل أكاسيد النيتروجين والكبريت، أن تتفاعل في الغلاف الجوي لتكوين الأمطار الحمضية. عندما تسقط هذه الأمطار على البحار، فإنها تؤدي إلى انخفاض درجة حموضة المياه (pH)، مما يؤثر سلبًا على الكائنات البحرية ذات الهياكل الكلسية، مثل المحار والشعاب المرجانية. كما أن المعادن الثقيلة والملوثات العضوية الموجودة في الهواء يمكن أن تترسب مباشرة على سطح البحر.

مستقبل مهدد: الحاجة إلى تكاتف الجهود

إن تزايد مصادر تلوث مياه البحر يشكل تحديًا هائلاً يتطلب تكاتف الجهود على المستويين المحلي والدولي. لا يقتصر الأمر على سن القوانين والتشريعات الصارمة، بل يتعداه إلى تغيير السلوكيات الفردية والمجتمعية، والاستثمار في التقنيات النظيفة، وتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على هذا المورد الحيوي. إن مستقبل البحار، وبالتالي مستقبل كوكبنا، يعتمد بشكل كبير على قدرتنا على معالجة هذه المشكلة الملحة بفعالية وسرعة.

اترك التعليق