كيف تفقد شهيتك في الطعام

كتبت بواسطة ابراهيم
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 9:30 صباحًا

فقدان الشهية: دوافع، علامات، واستراتيجيات التعامل

تُعد الشهية محركًا أساسيًا لبقائنا، فهي الإشارة الفسيولوجية التي تدفعنا للبحث عن الطعام وتناوله للحصول على الطاقة والمغذيات اللازمة. لكن، في بعض الأحيان، قد تتلاشى هذه الرغبة الطبيعية، تاركةً الفرد يشعر بفقدان الشهية. قد يبدو هذا الأمر غير مقلق للوهلة الأولى، بل قد يعتبره البعض هدفًا مرغوبًا، خاصة في سياقات معينة. إلا أن فقدان الشهية المستمر قد يكون مؤشرًا على مشكلات صحية كامنة، أو نتيجة لعوامل نفسية واجتماعية معقدة. يهدف هذا المقال إلى استكشاف الأسباب المتعددة لفقدان الشهية، والتعرف على علاماته، وتقديم استراتيجيات فعالة للتعامل معه، سواء كان ذلك بهدف استعادته أو فهم آلياته.

الأسباب الفسيولوجية الكامنة وراء فقدان الشهية

تتأثر شهيتنا بمجموعة معقدة من الإشارات الهرمونية والعصبية التي تنظمها أجزاء مختلفة من الدماغ، وخاصة منطقة ما تحت المهاد. عندما تتعطل هذه الآليات، قد يحدث فقدان في الشهية.

التغيرات الهرمونية والجسدية

تلعب الهرمونات دورًا حاسمًا في تنظيم الشهية. هرمونات مثل الليبتين، الذي تفرزه الخلايا الدهنية، تعمل على تثبيط الشهية، بينما هرمون الغريلين، الذي يُفرز في المعدة، يحفزها. أي اختلال في توازن هذه الهرمونات، سواء بسبب تغيرات جسدية طبيعية كالحمل أو انقطاع الطمث، أو بسبب حالات مرضية، يمكن أن يؤدي إلى فقدان الشهية. على سبيل المثال، قد تسبب بعض الاضطرابات الهرمونية مثل فرط نشاط الغدة الدرقية زيادة في معدل الأيض، مما قد يؤدي إلى فقدان الوزن والشعور بعدم الرغبة في تناول الطعام.

الحالات الطبية والأمراض

تُعد العديد من الحالات الطبية سببًا شائعًا لفقدان الشهية. الأمراض المزمنة مثل أمراض الكلى، أو أمراض الكبد، أو أمراض القلب، يمكن أن تؤثر على الشهية بشكل مباشر أو غير مباشر بسبب الأعراض المصاحبة لها مثل الغثيان، الألم، أو التعب. كما أن العدوى الحادة، مثل الإنفلونزا أو التهاب المعدة والأمعاء، يمكن أن تسبب فقدانًا مؤقتًا للشهية بسبب الشعور العام بالمرض والتوعك. علاوة على ذلك، تلعب اضطرابات الجهاز الهضمي دورًا مهمًا؛ فالتهاب المعدة، القرح الهضمية، أو متلازمة القولون العصبي قد تسبب ألماً أو عدم ارتياح بعد تناول الطعام، مما يثبط الرغبة في الأكل.

الأدوية والآثار الجانبية

لا يمكن إغفال دور الأدوية في التأثير على الشهية. العديد من الأدوية، وخاصة تلك المستخدمة في علاج أمراض مزمنة أو حالات معقدة، لها آثار جانبية معروفة تشمل الغثيان، تغيرات في حاسة التذوق، أو اضطرابات الجهاز الهضمي، وكلها يمكن أن تؤدي إلى فقدان الشهية. من الأمثلة الشائعة المضادات الحيوية، بعض أدوية العلاج الكيميائي، أدوية علاج أمراض القلب، وحتى بعض مضادات الاكتئاب.

العوامل النفسية والاجتماعية المؤثرة على الشهية

لا تقتصر الأسباب وراء فقدان الشهية على الجانب الفسيولوجي فحسب، بل تلعب العوامل النفسية والاجتماعية دورًا لا يقل أهمية.

الضغط النفسي والقلق

يُعد الضغط النفسي والقلق من أبرز العوامل المؤثرة على الشهية. يمكن أن يؤدي التوتر المستمر إلى إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، والتي قد تؤثر على وظائف الجهاز الهضمي وتثبط الشهية. في بعض الحالات، قد يؤدي القلق الشديد إلى الشعور بالغثيان أو “عقدة في المعدة” تجعل تناول الطعام أمرًا صعبًا.

الاكتئاب والحزن

الاكتئاب غالبًا ما يرتبط بفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، بما في ذلك تناول الطعام. قد يشعر الشخص المكتئب بفقدان المتعة في الحياة بشكل عام، بما في ذلك متعة الطعام. قد يترافق الاكتئاب مع أعراض جسدية مثل اضطرابات النوم، التعب، والشعور باليأس، وكلها تساهم في تراجع الشهية.

الصدمات العاطفية والتجارب المؤلمة

يمكن للتجارب العاطفية المؤلمة أو الصدمات النفسية أن تحدث تغييرات عميقة في سلوكيات الأكل. فقدان شخص عزيز، أو التعرض لمواقف مؤلمة، قد يؤدي إلى ردود فعل جسدية ونفسية تشمل فقدان الشهية كآلية دفاعية أو كتعبير عن الألم الداخلي.

التغيرات البيئية والاجتماعية

يمكن لعوامل مثل السفر إلى بيئات جديدة، التغيرات في الروتين اليومي، أو حتى الشعور بالوحدة والعزلة أن تؤثر على الشهية. البيئة المحيطة وطريقة تقديم الطعام، والتفاعل الاجتماعي أثناء الوجبات، كلها عوامل يمكن أن تلعب دورًا في تحفيز أو تثبيط الرغبة في تناول الطعام.

علامات فقدان الشهية وكيفية التعامل معها

يتجلى فقدان الشهية في صور مختلفة، وقد تترافق معه علامات أخرى تدل على وجود مشكلة كامنة.

العلامات المصاحبة لفقدان الشهية

إلى جانب الشعور بعدم الرغبة في تناول الطعام، قد يلاحظ الفرد علامات أخرى مثل فقدان الوزن غير المبرر، الشعور بالإرهاق والتعب، اضطرابات في الجهاز الهضمي كالغثيان أو الانتفاخ، تغيرات في المزاج، أو حتى الشعور بالبرودة.

متى يجب استشارة الطبيب؟

يُعد فقدان الشهية المستمر، خاصة إذا كان مصحوبًا بفقدان الوزن، أو إذا كان يؤثر على القدرة على أداء الأنشطة اليومية، مدعاة للقلق ويتطلب استشارة طبية. لا ينبغي تجاهل أي تغير مفاجئ أو ملحوظ في الشهية، حيث قد يكون مؤشرًا على مشكلة صحية تحتاج إلى تشخيص وعلاج مبكر.

استراتيجيات لاستعادة الشهية (عند الحاجة)

في حال كان فقدان الشهية غير مرغوب فيه، يمكن اتباع بعض الاستراتيجيات لاستعادته:

  • تناول وجبات صغيرة ومتكررة: بدلًا من ثلاث وجبات كبيرة، حاول تناول وجبات خفيفة وصحية على مدار اليوم.
  • اختيار الأطعمة الغنية بالمغذيات: ركز على الأطعمة التي توفر سعرات حرارية ومغذيات عالية في كميات صغيرة، مثل الأفوكادو، المكسرات، زبدة الفول السوداني، والأطعمة المدعمة.
  • جعل تناول الطعام تجربة ممتعة: حاول تناول الطعام في بيئة مريحة وممتعة، وشارك الوجبات مع الأصدقاء أو العائلة.
  • ممارسة النشاط البدني: قد تساعد التمارين الرياضية المعتدلة في تحفيز الشهية.
  • استشارة أخصائي تغذية: يمكن لأخصائي التغذية تقديم خطط غذائية مخصصة ومساعدة في تحديد الأسباب الكامنة وراء فقدان الشهية.

فهم آليات فقدان الشهية (في سياقات معينة)

في بعض الأحيان، قد يكون فقدان الشهية نتيجة لممارسات متعمدة، مثل الحميات الغذائية القاسية أو الرغبة في إنقاص الوزن. من المهم في هذه الحالات فهم أن فقدان الشهية بشكل دائم وغير صحي يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، وأن الهدف يجب أن يكون دائمًا تحقيق توازن صحي بين تناول الطعام والحفاظ على صحة الجسم.

في الختام، يُعد فقدان الشهية ظاهرة معقدة تتشابك فيها العوامل الجسدية والنفسية والاجتماعية. بينما قد يكون أحيانًا مجرد عرض عابر لحالة صحية بسيطة، إلا أنه في أحيان أخرى قد يكون إنذارًا لمشكلة أعمق. إن الوعي بأسبابه وعلاماته، والاستعداد لطلب المساعدة عند الحاجة، هما مفتاح التعامل الفعال مع هذه الظاهرة وضمان الصحة والعافية.

الأكثر بحث حول "كيف تفقد شهيتك في الطعام"

اترك التعليق