قصة عمر بن الخطاب مع المرأة العجوز

كتبت بواسطة ياسر
نشرت بتاريخ : الأربعاء 5 نوفمبر 2025 - 11:17 صباحًا

عمر بن الخطاب والمرأة العجوز: درس في الرحمة والمسؤولية

تُعد سيرة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كنزاً لا ينضب من الدروس والعبر التي تتجاوز الزمان والمكان. ومن بين المواقف العظيمة التي سُطرت في تاريخه، تقف قصة لقائه بالمرأة العجوز في إحدى الليالي المظلمة على مفترق طرق، شاهدةً على عدله المطلق، ورحمته الواسعة، وإحساسه العميق بالمسؤولية تجاه رعيته، حتى أضعفهم وأشدهم حاجة. هذه القصة ليست مجرد حكاية، بل هي مدرسة تربوية تُعلمنا كيف يجب أن يكون القائد، وكيف يجب أن يُدار المجتمع، وكيف يُعاش الإيمان في أسمى صوره.

ليلة في قلب الظلام: بداية اللقاء

كان عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، لا ينام ملء جفونه، بل كان يجول ليلاً ونهاراً على رعيته، يتفقد أحوالهم، ويستمع إلى شكواهم، ويُسدّي لهم العون. وفي إحدى هذه الجولات الليلية، وبينما كان يسير في أطراف المدينة، سمع أنيناً خافتاً، وصوتاً يشبه البكاء، ينبعث من جهة خيمة صغيرة. دفعه الفضول الإنساني، والواجب الشرعي، إلى الاقتراب بحذر.

شاهد على الفقر المدقع: لقاء مؤثر

عندما وصل عمر إلى الخيمة، وجد فيها امرأة عجوزاً، تبدو عليها علامات البؤس والفقر الشديد. كانت تجلس بجوار قدر فارغ، وبجانبها أطفال يتضورون جوعاً. كان بكاؤها نابعاً من شدة الجوع والعوز، ومن عدم قدرتها على سد رمق أبنائها. لم يكن لديها ما تطعمه لهم، وكان الليل قد اشتد، والبرد يلسع.

أسئلة أمير المؤمنين: استقصاء دقيق

لم يتردد عمر في السؤال. اقترب منها وسألها عن حالها، وعن سبب بكائها. أجابته المرأة بلسان يعتصره الألم: “يا عبد الله، إنني عجوز كبيرة، وقد اشتد بي الجوع، وأبنائي يتضورون جوعاً. ليس لدي ما أقدمه لهم، وقد بتنا على غير عشاء”. كانت كلماتها سهاماً تخترق قلب الفاروق، الذي كان قلبه أرحم القلوب وأكثرها خشية.

اعتراف بالفشل: مسؤولية القائد

أدرك عمر في تلك اللحظة أن هذا الفقر وهذا الجوع لم يكونا مجرد مصادفة، بل كانا نتيجة لتقصير في الرعاية، وربما غفلة عن فئة تحتاج إلى اهتمام خاص. وبدلاً من أن يلوم المرأة أو يسأل عن سبب عدم طلبها للمساعدة، تحمل المسؤولية كاملة. خاطب نفسه قائلاً: “وا عمراه! لو أن هذه عائلة مسلمة، لجعلني الله مسؤولاً عنها. فما بال هؤلاء؟”. ثم قال للمرأة: “يا أمة الله، هل أنتِ من أهل هذه القرية؟” قالت: “نعم، أنا من أهلها”.

تحرك سريع: استجابة فورية

لم يقف الأمر عند مجرد الشعور بالأسى. فعمر لم يكن ممن يكتفون بالكلمات. عاد مسرعاً إلى بيت المال، وأخذ معه كيساً مليئاً بالدقيق، وآخر بالزيت، وآخر بالقمح، وسلالاً من التمر. كان يحملها بنفسه، ولم يطلب المساعدة من أحد، ليُظهر بنفسه معنى القيادة المتواضعة.

عودة الظلام إلى نور: إغاثة لا مثيل لها

عاد عمر إلى المرأة العجوز، وبيده ما يكفي لإشباع جوع عائلة بأكملها. بدأ بنفسه في إعداد الطعام، وخبز العجين، وطبخ الطعام. كان يعمل بيديه، بجوار المرأة وأبنائها، لا يرى نفسه أعلى منهم، بل واحداً منهم، مسؤولاً عنهم. وعندما اكتمل الطعام، أكل معهم، وأشبع جوعهم، وأعاد البسمة إلى وجوه أطفالها.

التعهد بالرعاية: وعد بالاستمرار

لم يكتفِ عمر بإغاثة عاجلة. بل وعد المرأة بأن يعود لزيارتها، وأن يكفل أبناءها، وأن يضمن لهم حياة كريمة. وهذا ما فعله بالفعل. في اليوم التالي، عاد عمر ومعه خادمته، وأمر لها بالنفقة، وأمر بتوفير ما تحتاجه من ثياب وطعام، وأمر بتعليم أبنائها. لقد حول ليلة من الظلام والجوع إلى صباح من النور والأمل.

دروس مستفادة: قيادة الرحمة والإحسان

هذه القصة ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي مدرسة عظيمة في القيادة والمسؤولية. تعلمنا منها:

* **المسؤولية الشاملة للقائد:** لم يكن عمر يرى نفسه بعيداً عن هموم رعيته، بل كان يشعر بمسؤولية كاملة عن كل فرد فيها.
* **الرحمة في أسمى صورها:** كانت رحمة عمر لا تعرف حدوداً، وتمتد لتشمل أضعف الفئات وأكثرها حاجة.
* **التواضع في القيادة:** لم يتكبر عمر عن حمل الأعباء بنفسه، بل كان مثالاً للتواضع والخدمة.
* **الإحسان غير المشروط:** لم يسأل المرأة عن حالها قبل أن يقدم لها العون، بل بادر بالإغاثة فور علمه بحاجتها.
* **التخطيط للمستقبل:** لم تكن إغاثة عمر مجرد حل مؤقت، بل كان يسعى لضمان مستقبل كريم للمحتاجين.

إن قصة عمر بن الخطاب مع المرأة العجوز تظل منارة تهتدي بها الأجيال، وتذكي في القلوب روح المسؤولية، وتُذكرنا بأن القيادة الحقيقية تكمن في خدمة الناس، وفي أقصى درجات الرحمة والإحسان.

الأكثر بحث حول "قصة عمر بن الخطاب مع المرأة العجوز"

اترك التعليق