جدول المحتويات
حكم إتيان الزوجة من الدبر وتأثيره على عقد الزواج
تُعد العلاقة الزوجية رباطًا مقدسًا يحكمه الشرع والأخلاق، وتتداخل فيه جوانب متعددة تشمل المودة والرحمة، إلى جانب الحقوق والواجبات. ومن بين المسائل التي قد تثير تساؤلات بين الأزواج، مسألة إتيان الزوجة من الدبر، وما يترتب عليها من أحكام فقهية، وعلى رأسها مسألة الطلاق. إن فهم هذه المسألة يتطلب الغوص في النصوص الشرعية، وآراء الفقهاء، واستيعاب مقاصد الشريعة في تنظيم العلاقات الأسرية.
الموقف الشرعي من إتيان الزوجة من الدبر
تتفق غالبية آراء الفقهاء على تحريم إتيان الزوجة من الدبر. ويستند هذا التحريم إلى أدلة شرعية متعددة، أبرزها ما ورد في السنة النبوية الشريفة من أحاديث تنهى عن هذا الفعل. وقد فسّر العلماء هذه الأحاديث على أنها تدل على كراهة تحريمية أو تحريم صريح، تبعًا لدرجة الحديث وقوته.
الأدلة من السنة النبوية
وردت أحاديث عديدة عن النبي صلى الله عليه وسلم تنهى عن إتيان النساء في أدبارهن. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ملعونٌ من أتى امرأةً في دبرها”. (رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني). كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن”. (رواه البخاري ومسلم). هذه النصوص وغيرها تعكس موقفًا شرعيًا واضحًا من هذا الفعل، والذي يُنظر إليه على أنه مخالف للفطرة وما أمر الله به.
آراء الفقهاء وتفصيلاتها
اختلف الفقهاء في تحديد درجة التحريم، فمنهم من قال بالكراهة التحريمية، ومنهم من قال بالتحريم الصريح. ويرجع هذا الاختلاف إلى تفسير النصوص ومدى قوتها. إلا أن الإجماع يكاد ينعقد على عدم جواز هذا الفعل، وأن فيه مخالفة لما هو مقرر شرعًا. وبعض الفقهاء يشددون في تحريمه لما يترتب عليه من مفاسد صحية واجتماعية، ولما فيه من مخالفة للأدب الشرعي في العلاقة الزوجية.
هل إتيان الزوجة من الدبر يوقع الطلاق؟
هنا تكمن النقطة الجوهرية التي يثيرها السؤال، وهي ما إذا كان هذا الفعل بمفرده كافيًا لإنهاء العلاقة الزوجية بوقوع الطلاق. والإجابة على هذا السؤال تتطلب تفصيلًا وتوضيحًا.
الطلاق المعلق على فعل
إذا كان الزوج قد علّق طلاق زوجته على فعل معين، مثل أن يقول لها: “إن أتيتِ زوجكِ من دبركِ فأنتِ طالق”، فإن وقوع الطلاق هنا يكون معلقًا على تحقق هذا الشرط. فإذا حدث الفعل، وقع الطلاق. وهذا يعتمد على صيغة التعليق التي يستخدمها الزوج.
الطلاق غير المعلق
أما إذا لم يكن هناك تعليق للطلاق على هذا الفعل، فإن مجرد ارتكاب الزوج لفعل إتيان زوجته من الدبر لا يوقع الطلاق تلقائيًا. فالطلاق في الإسلام له أسبابه وشروطه، ولا يقع بمجرد ارتكاب معصية أو فعل محرم ما لم يقصد الزوج به الطلاق أو يعلق عليه.
الطلاق بسبب الضرر أو النشوز
قد يؤدي استمرار الزوج في هذا الفعل، أو إصراره عليه، إلى إلحاق ضرر بالزوجة، سواء كان ضررًا نفسيًا أو جسديًا. وفي هذه الحالة، قد يكون للزوجة الحق في طلب الطلاق للضرر. فقد نصت قوانين الأحوال الشخصية في العديد من الدول الإسلامية على أن الضرر الواقع على الزوجة، سواء كان نفسيًّا أو جسديًّا، سببٌ من أسباب تطليقها. وإذا ثبت هذا الضرر أمام القضاء، فقد يحكم القاضي بالطلاق.
كما أن إجبار الزوجة على هذا الفعل قد يُعد نوعًا من النشوز أو العصيان من قبل الزوج إذا رفضت الزوجة هذا الفعل، ولم يكن راضيًا عنها. ولكن هذا الأمر قد يحتاج إلى تفصيل وبيان في سياق دعوى النشوز.
نية الزوج وتأثيرها
تُعد نية الزوج عنصرًا هامًا في تحديد الحكم. فإذا كان الزوج يفعل هذا الأمر وهو يقصد به الطلاق، فقد يُعتبر ذلك كناية من كنايات الطلاق، ويُرجع فيه إلى نيته. أما إذا كان يفعله دون نية الطلاق، فليس بالضرورة أن يقع الطلاق.
التبعات النفسية والاجتماعية للعلاقة الزوجية
إضافة إلى الحكم الشرعي، فإن لهذه المسألة أبعادًا نفسية واجتماعية هامة. العلاقة الزوجية الصحية تبنى على الاحترام المتبادل، والرضا، والتفاهم. وإجبار أحد الطرفين على فعل لا يرضاه، أو فيه مخالفة لتعاليم دينه أو فطرته، يمكن أن يؤدي إلى تدمير الثقة، وزعزعة الاستقرار النفسي، وتفكك الأسرة.
الحوار والتفاهم كحلول
إن أفضل طريقة للتعامل مع مثل هذه القضايا داخل الزوجية هي الحوار الصريح والمفتوح بين الزوجين. يجب على الزوجين أن يتحدثا عن رغباتهما، وحدودهما، ومخاوفهما، وأن يسعيا إلى إيجاد حلول ترضي الطرفين وتتوافق مع تعاليم الدين والأخلاق. في حال وجود صعوبة في الحوار، يمكن اللجوء إلى استشارة متخصصين في العلاقات الأسرية أو رجال الدين الموثوق بهم.
الاستشارة الدينية والقانونية
في حال الشك أو الالتباس حول حكم شرعي معين، أو حول حقوق وواجبات الزوجين، فمن الأفضل دائمًا استشارة أهل العلم والرأي الشرعي الموثوق بهم. كما أن فهم القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية في بلد الإقامة أمر ضروري لمعرفة الحقوق والواجبات القانونية.
في الختام، فإن مسألة إتيان الزوجة من الدبر هي مسألة خلافية بين الفقهاء في درجتها، ولكنها محرمة شرعًا في غالب الآراء. أما وقوع الطلاق، فهو لا يحدث بمجرد الفعل نفسه، بل يعتمد على تعليق الزوج للطلاق عليه، أو على وقوع ضرر جسيم بالزوجة يخولها طلب الطلاق. وتظل العلاقة الزوجية أمانة تتطلب من الزوجين الحفاظ عليها بالود والتفاهم والاحترام المتبادل، والالتزام بما يرضي الله تعالى.
