حكم اتيان الزوجة من الدبر بالخطأ

كتبت بواسطة سعاد
نشرت بتاريخ : الخميس 6 نوفمبر 2025 - 11:28 صباحًا

حكم إتيان الزوجة من الدبر بالخطأ: توضيح شرعي وفقهي

تُعد العلاقة الزوجية من أسمى العلاقات الإنسانية، وهي مبنية على المودة والرحمة والتفاهم. وفي سياق هذه العلاقة، قد تطرأ بعض الممارسات التي تحتاج إلى توضيح شرعي وفقهي لضمان سير الحياة الزوجية وفقًا لما يرضي الله سبحانه وتعالى. من هذه الممارسات، مسألة إتيان الزوجة من الدبر، والتي قد تحدث أحيانًا عن غير قصد أو بسبب جهل بالحكم الشرعي. يهدف هذا المقال إلى استعراض حكم هذه المسألة بتفصيل، مع التركيز على الجانب الفقهي والشرعي، وتقديم رؤية واضحة للقارئ الكريم.

التعريف بالموضوع وأهميته

قبل الخوض في التفاصيل الفقهية، من المهم أن نوضح أن المقصود هنا هو **الخطأ**، أي أن الفعل لم يكن مقصودًا في الأصل، أو قد يكون الزوج لم يدرك حكمه الشرعي. هذا التمييز ضروري، فالقصد يلعب دورًا هامًا في الأحكام الشرعية. إن فهم هذه المسائل ليس مجرد ترف فقهي، بل هو ضرورة للحفاظ على سلامة العلاقة الزوجية، وتجنب الوقوع في محظورات شرعية قد تؤثر سلبًا على استقرار الأسرة.

النظرة الشرعية لإتيان الزوجة من الدبر

تُجمع النصوص الشرعية والأقوال الفقهية على تحريم إتيان الزوجة من الدبر. ويستند هذا التحريم إلى عدة أسباب، أهمها:

  • الأدلة من السنة النبوية: وردت أحاديث نبوية صحيحة تنهى عن هذا الفعل. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ملعونٌ من أتى امرأةً في دبرها”. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ينظر الله إلى رجلٍ أتى امرأةً في دبرها”. هذه الأحاديث صريحة في النهي والوعيد الشديد لمن يرتكب هذا الفعل.
  • المخالفة للفطرة والطبيعة: يعتبر هذا الفعل مخالفًا للطبيعة البشرية السليمة والفطرة التي خلق الله الناس عليها، والتي تقتضي الإتيان في القبل.
  • الضرر الصحي المحتمل: قد يترتب على هذا الفعل بعض الأضرار الصحية، وهو ما أثبتته الدراسات الطبية الحديثة، وإن كان هذا ليس السبب الرئيسي للتحريم الشرعي.

حكم إتيان الزوجة من الدبر بالخطأ

هنا تكمن نقطة الاختلاف والاجتهاد الفقهي، حيث تتعلق المسألة بالخطأ الذي قد يقع من الزوج. يمكن تقسيم حالات الخطأ إلى عدة صور:

الخطأ الناتج عن الجهل بالحكم الشرعي

إذا أتى الزوج زوجته من الدبر عن غير قصد، وكان ذلك بسبب جهله التام بحرمة هذا الفعل، فالأصل في الأحكام الشرعية أن المعذور بالجهل هو من لا يعلم بالحكم أصلاً. وفي هذه الحالة، يختلف الفقهاء في الحكم:

  • رأي يرى عدم المؤاخذة: يرى بعض الفقهاء أن من فعل محرمًا جاهلاً بحرمته، لا يؤاخذ شرعًا، خاصة إذا كان الجهل معذورًا فيه. ويستدلون بقاعدة “لا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها”. في هذه الحالة، يُنصح الزوج بتعلم الحكم الشرعي والتوبة النصوح، وعدم تكرار الفعل.
  • رأي يرى وجود مؤاخذة مع التخفيف: يرى آخرون أن الفعل وإن كان عن جهل، إلا أنه يظل محرمًا، وقد يترتب عليه شيء من المؤاخذة، ولكنها قد تكون مخففة نظرًا لعدم القصد. وفي هذه الحالة، يكون الواجب على الزوج التوبة والاستغفار، والحرص الشديد على عدم تكرار الفعل، مع العلم بالحكم الشرعي.

الخطأ الناتج عن عدم الانتباه أو السهو

إذا كان الخطأ ناتجًا عن عدم انتباه لحظي أو سهو أثناء العلاقة الزوجية، ولم يكن هناك قصد متعمد لهذا الفعل، فالجمهور على أن الساهي غير مؤاخذ، ما لم يكن التفريط منه. وفي هذه الحالة، يُعتبر الفعل من قبيل الخطأ غير المتعمد، ولا يترتب عليه حكم مباشر من حيث الإثم، ولكنه يتطلب التوبة والاستغفار من باب الاحتياط، والتأكيد على عدم تكرار مثل هذا الخطأ.

الخطأ الناتج عن ضغط أو إكراه (وهو نادر الحدوث في سياق العلاقة الزوجية الطبيعية)

إذا تعرض الزوج لضغط أو إكراه من الزوجة لفعل ذلك، فهنا ينتقل الحكم إلى حالة الإكراه. والأصل في الإكراه أن من أُكره على فعل محرم، لا يأثم. ولكن في سياق العلاقة الزوجية، هذا الأمر نادر جداً، وقد يدل على وجود مشكلات أعمق في العلاقة تستدعي المعالجة.

التوبة والاستغفار في حالات الخطأ

مهما كان نوع الخطأ، فإن باب التوبة والاستغفار مفتوح دائمًا. فالله سبحانه وتعالى غفور رحيم. إذا وقع الزوج في هذا الفعل عن غير قصد أو جهل، فالواجب عليه هو:

  • الندم على ما فات: الشعور بالأسف والندم على الوقوع في هذا الفعل.
  • العزم على عدم العودة: اتخاذ قرار صادق بعدم تكرار هذا الفعل مرة أخرى، والحرص على تجنب أسبابه.
  • الاستغفار والتوبة: اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالاستغفار وطلب المغفرة.
  • تعلم الحكم الشرعي: الحرص على تعلم الأحكام الشرعية المتعلقة بالعلاقة الزوجية لتجنب الوقوع في المحظورات.

مسؤولية الزوجين في توعية بعضهما البعض

إن العلاقة الزوجية هي شراكة تتطلب التعاون والتناصح. وعلى الزوجين أن يكونا على دراية بالأحكام الشرعية المتعلقة بحياتهما المشتركة. إذا كان أحد الزوجين جاهلاً بحكم شرعي، فعلى الآخر أن يبين له بالرفق واللين، وأن يسعى معه إلى تعلم ما ينفعهما في دينهما ودنياهما.

آثار الخطأ على العلاقة الزوجية

حتى لو كان الفعل قد وقع عن خطأ، فقد يترك أثراً نفسياً على الزوجة، خاصة إذا كانت على دراية بحرمته. هنا تأتي أهمية التواصل المفتوح والصريح بين الزوجين، وشرح الموقف، والطمأنة، والتأكيد على المحبة والاحترام المتبادل.

الخلاصة والتوصيات

في الختام، فإن حكم إتيان الزوجة من الدبر هو التحريم. أما إذا وقع هذا الفعل عن خطأ، سواء كان جهلاً بالحكم أو سهواً، فإن الحكم قد يخفف، ولكن مع ضرورة التوبة والاستغفار والحرص الشديد على عدم تكراره. من الضروري للزوجين أن يتعلما أحكام دينهما المتعلقة بحياتهما الزوجية، وأن يتناصحا بالرفق واللين. إن العلاقة الزوجية مبنية على التفاهم والاحترام المتبادل، والالتزام بشرع الله هو أساس السعادة والاستقرار.

الأكثر بحث حول "حكم اتيان الزوجة من الدبر بالخطأ"

اترك التعليق